في عام 1839، تمّ الإعلان عن أول عملية تصوير كاملة في اجتماع للأكاديمية الفرنسية للعلوم، بعد محاولات عديدة شهدها العقد الرابع من القرن التاسع عشر على يد المخترعين الفرنسييْن جوزيف نيبس ولويس داغير، واصلها الأخير بعد رحيل نيبس سنة 1833.
تشير المصادر التاريخية إلى أن هناك صورة التقطت بمصر في العام نفسه الذي أعلن فيه عن احتراع الفوتوغراف، كما سافر مجموعة من المصوّرين الفرنسيين إلى بلاد الشام ومصر في الأعوام التالية، وقاموا بتصوير العديد من المشاهد الطبيعية، وأخرى من المدن، كما توضّح العديد من الكتب المصوّرة التي صدرت آنذاك.
"بين العلم والفن: بدايات التصوير الفوتوغرافي في الشرق الأوسط" عنوان المعرض الذي افتُتح الإثنين الماضي في "مكتبة قطر الوطنية" بالدوحة، ويتواصل حتى الثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر المقبل. ويعقد على هامشه لقاء عند الخامسة من مساء الإثنين المقبل بعنوان "التصوير الفوتوغرافي الاستشراقي" يشارك فيها متحدّثون من الرواد في جمع الصور الفوتوغرافية حول الشرق.
يتضمّن المعرض نماذج من تقنيات الطباعة الفوتوغرافية الأولى
يعود المعرض إلى البدايات الأولى للتصوير، مع ظهور الكاميرا المظلمة (القُمرة) وصولاً إلى النمط الداغيري (نسبة إلى لويس داغير)، حيث نشأ التصوير كأداة عِلمية أكثر من كونه شكلاً من أشكال التعبير الفني، كما يُنظر إليه اليوم. وذلك لأن العديد من المصورين الأوائل لم يعتبروا أنفسهم فنانين بل كان منهم علماء وكيميائيون ومهندسون وعلماء آثار شغوفون ومهتمّون بمفاهيم ذات صِلة بالموضوعية والأفلام الوثائقية والمسح.
ويشير بيان المنظّمين إلى أن الزوّار "سيتعرّفون على قصص هؤلاء الممارسين الأوائل للتصوير الفوتوغرافي، عبر تقديم بعض أقدم الصور الملتقطة في الشرق الأوسط، التي أصبحت مثالاً لبدايات التصوير الفوتوغرافي منذ العقود التي تلت الإعلان عن اكتشاف التصوير في عام 1839".
يتضمّن المعرض مقتنيات من مجموعات "مكتبة قطر الوطنية" و"متاحف قطر"، مثل أعمال المصور الفرنسي جوزيف فيليبرت غيرولت دي برانغي (1804 - 1892)، الذي زار أقدم الصور اليونان وفلسطين ومصر وسورية وتركيا، والتقط مئات الصور التي لم تكتشف إلا في عشرينيات القرن الماضي؛ أي بعد نحو ثلاثة عقود من رحيله.
درس برانغي الرسم في باريس في "مدرسة الفنون الجميلة" بباريس، وكان مهتماً بالطرُز المعمارية في بلدان شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث زارها عام 1841، وقام بتصوير العديد من المعالم الأثرية ومنها قبّة الصخرة في القدس ومعبد البارثينون في أثينا، ومسجد خاير بك الملموكي في القاهرة، والمناظر الطبيعية والبورتريهات الشخصية التي تجاوز مجموعتها تسعمئة صورة.
كما يضمّ المعرض مجموعة من الكاميرات من طراز "غيرو داغيروتايب" (Giroux Daguerréotype)، وهي مثال نادر للكاميرات التجارية الأولى. ويتضمّن كذلك عرضاً لنماذج من تقنيات الطباعة الفوتوغرافية الأولى.
ويوضّح بيان المعرض بأن "السنوات الأولى لبدايات التصوير عُرفت بنمط التصوير المزدوج؛ لهذا يتناول المعرض المنظور المادّي للتصوير الفوتوغرافي عبر إطار نمط التصوير الداغيري وبعض تقنيات الطباعة الأولى وتأثير السِمة التجارية عليها. بالإضافة إلى تأثير التصوير الفوتوغرافي في رسم التصورات عن "الشرق" وما تضمّنه من نقاش فكري جاء موازياً لوصول هذا الاختراع الجديد إلى العالم العربي.