في "اليوم العالمي للمرأة"، لنا أن نستعيد أحد الكتب العربية التي تناولت قضية المرأة؛ كتاب "النظام الأبوي وإشكالية الجنس عند العرب" لعالم الاجتماع العراقي إبراهيم الحيدري (1936)، وهو عمل لم يعتمد النزعة الشعاراتية المتداولة عربياً كلما جرى الحديث عن حقوق النساء، بل اشتغل على تحليل ظواهر سوسيوثقافية عبر خطاب علميّ رصين. ومن الصدف ذات الدلالة أن هذ اليوم يقابل ذكرى ميلاد مؤلفه.
يعود الكتاب إلى فهم صعود النظام الأبوي (أو البطريركي في تعبيرات أخرى) في الحضارات القديمة حيث أنه لا يمكن فهم قضايا كبرى تشغل المجتمعات الحديثة من دون مثل هذه العودة، ومن ذلك قضايا المرأة والحريات والتمييز والعلاقة بين العائلة والاستقرار الاجتماعي.
يكشف الحيدري أن المرأة منذ فجر التاريخ كانت "ضحية النظام الأبوي الذي قنّن أعرافاً وتقاليد تجعل المرأة أدنى من الرجل، وهو اضطهاد نوعيّ وقانوني وعُرفي لم يكن بسبب العامل البيولوجي أو الديني أو النفسي، بل بسبب القيم الذكورية المسيطرة التي لم تعترف بالمرأة إنساناً كاملاً، بالرغم من أنها تكوّن نصف المجتمع".
بتخصيص دراسته لفهم إشكاليات الواقع العربي، يشير عالم الاجتماع العراقي إلى أنه "إذا كانت المجتمعات الحديثة أبوية عموماً، فإن المجتمعات العربية أكثر أبوية وأشد محاصرة وتهميشاً للمرأة، التي تخضع لسلطة قانونين متناقضين؛ واحد لا يفرّق بين المواطنين على أساس الجنس والدين والطبقة، وآخر يميّز بين الجنسين، ويخضع المرأة لقانون الأعراف والتقاليد فتصبح جنساً آخر، وهو ما يخلق تصوّراً سلبياً عن نفسها ويقف عائقاً أمام تحقيق ذاتها وذات الرجل في آن واحد".
مع كتاب "المرأة والجنس" لنوال السعداوي، وكتاب "النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي" للمفكّر الفلسطيني هشام شرابي، يعدّ مؤّلف الحيدري هذا أحد أبرز الأعمال العربية التي تساعدنا في تفكيك أسباب اضطهاد المرأة العربية ومن ورائها فهم أسباب تعطيل جزء كبير من الطاقة الاجتماعية.
من أعمال الحيدري الأخرى: "الفتوة بين التراث والمعاصرة" (1980)، و"إثنولوجيا الفنون التقليدية: دراسة سوسيولوجية لفنون وصناعات وفولكلور المجتمعات التقليدية" (1984)، و"صورة الشرق في عيون الغرب: دراسة للأطماع الأجنبية في العالم العربي" (1986)، و"تراجيديا كربلاء" (1999)، و"النقد بين الحداثة وما بعد الحداثة" (2012)، و"سوسيولوجيا العنف والإرهاب" (2015).