برز مؤخّراً العديد من الدراسات التي تحاول فهم التوسّع العمراني المتزايد في العاصمة الأردنية خلال ما يقارب نصف قرن؛ بحيث تضاعفت مساحتها وتضاعف عدد سكّانها عدّة مرات. من هذه الأعمال كتاب "الفضاءات العامة في مدينة عمّان: بين التنوّع الحضري والتباين الاجتماعي"، الذي صدر للباحث الفلسطيني ضرغام شتية عن فرع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في بيروت.
يهتمّ المؤلّف بالتحدّيات والتحوّلات التي تواجه المناطق الحضرية بشكل أساسي، كالهجرات المتزايدة إليها، وزيادة عدد سكّانها، والتغيّر في أنماط حياتهم وسلوكهم، إذ أسهمت هذه الزيادة المطّردة والتحوّلات المختلفة في ظهور أحياء عشوائية للفقراء وأخرى حديثة متطوّرة للطبقات الغنيّة، الأمر الذي أنتج عدم المساواة والتباين بين أحياء المدينة والإقصاء الاجتماعي.
أسهمت التحولات المختلفة في ظهور أحياء عشوائية للفقراء وأخرى حديثة متطوّرة للطبقات الغنية
في حالة عمّان، يركّز شتية على البحث في تأثير ظهور الفضاءات الحديثة في المدينة، ومدى تناقضها واختلافها مع الفضاءات القديمة، خاصّةً في مركز المدينة القديم (البلد)، وإسهامها في نشوء التباين والاستقطاب الاجتماعي بين الأحياء، وذلك من خلال دراسة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمكانية في الفضاءات العامّة وتحليلها في كلّ من منطقة العبدلي الجديد ومركز البلد القديم.
يقف الكتاب أيضاً عند مجموعة عوامل أدت إلى جملة تغيّرات، مننها حدوث الطفرات السكانية، إثر قدوم اللاجئين الفلسطينيين بين عامي 1948 و1967، إلى جانب عودة قرابة 300 ألف أردني من الكويت في بداية التسعينيات، ما ساهم في تضخّم الكثافة السكانية في المدينة وولادة مشاريع عمرانية ومراكز تجارية في أحياء مختلفة.
ويتناول شتية الذهاب نحو خصخصة موارد الدولة منذ نهاية التسعينيات وتبنّي سياسات نيوليبرالية، وتأثير ذلك على عمّان من خلال الطفرات العمرانية، وبناء مشروعات كبرى منها مشروع العبدلي الذي يستعرضه الكتاب نموذجاً للدراسة، ويضيء الانتقادات التي طاولته من خلال الرسوم الكاريكاتيرية والمسلسلات والصحف.
ومع حدوث هذا الانقسام الطبقي في المكان، يتتبّع الكتاب الاختلافات بين حياة السكان في عمّان الشرقية التي تتميز باكتظاظها السكّاني وارتقاع معدلات الفقر، وفي عمّان الغربية حيث مساحاتها الأوسع وتطوّر أبنيتها وشوارعها، وكيف تحوّلت عمان القديمة لدى بعض سكّان المدينة والحكومة إلى مكان يرسمون من خلاله صورة أخرى تتوافق مع رغباتهم وبحثهم عن أماكن لاستهلاك التراث.
يستند المؤلّف على مناقشة فكر عالم الاجتماع الفرنسي هنري لوفيفر في الفضاءات العامّة وتحليله، وكذلك مناقشة أثر العولمة وما ترتّب عليها من سياسات الليبرالية الجديدة، وأهم أدواتها الخصخصة في خلق التناقض والتباين والتنافس على الفصاءات العامة، ولا سيّما الفضاءات القديمة،والفضاءات الحديثة التي ضمّنت على أسس ومعايير عالمية موحدة.
يُذكر أن ضرغام شتية حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الحضرية والاقتصادية والاجتماعية من "الجامعة الأردنية" (2019)، ويعمل محاضراً غير متفرّغ في عدد من الجامعات الفلسطينية. له عدّة دراسات، منها "القطاع الاقتصادي غير الرسمي: ظاهرة البسطات والباعة المتجولين في وسط مدينة عمان"، و"تجربة الأحزاب الإسلامية في الحكم في كل من تركيا ومصر: دراسة مقارنة في الاقتصاد السياسي وفقاً لنظرية مايكل مان في القوة الاجتماعية" (مشترَك).