"الحقّ في الثقافة": أن نسقي الأرض ليوم واحد

07 نوفمبر 2021
صورة وعمل تركيبي لمنى الكراي (تونس)، من سلسلة "لن يأتي أحدٌ على ذِكرنا"، 2012 ـ 2013
+ الخط -

اختُتمت أمس السبت "أيام قرطاج السينمائية" في تونس، على بُعد شهر تقريباً من بدء "أيام قرطاج المسرحية". وبغضّ النظر عن العروض والنقاشات وحكايات الكواليس، يُحسَب لهاتين التظاهرتين خلقُهما لحيوية ثقافية في مدينة تونس، سرعان ما تخبو بنهايتهما.

لكن يُحسب للتظاهرتين، اللتين تشرف عليهما وزارة الثقافة، أنهما نجحتا أيضاً في فتح عددٍ من الأبواب المغلقة، ومن ذلك إرساء تقليد بحضور أفلام "أيام قرطاج السينمائية" في المؤسّسات السجنية منذ دورة 2012، ووجد المسرحيون أنّ بالإمكان أن يستنسخوا التجربة بعد أعوام في التظاهرة الخاصّة بهم.

خلال دورة هذا العام من "أيام قرطاج السينمائية"، انفتح بابٌ آخر كان مُغلقاً لعقود على كلّ ما هو فنّي أو ثقافي، حيث قُدِّم لأوّل مرة عرض سينمائي من المهرجان في ثكنة عسكرية، وذلك بتقديم الشريط الوثائقي "أم العيون" للحبيب العايب في "المدرسة التطبيقية لمصالح الصحّة العسكرية" في باب سعدون (حيّ وسط تونس العاصمة، فيه عددٌ من المنشآت العسكرية)، وعُرضت أيضاً أفلامٌ في ثكنات أخرى.

تبدو توجّهات السياسة الثقافية محصورةً بمواعيد المهرجانات فقط

من زاوية منظّمي المهرجان، تأتي هذه الخطوة كتنفيذ لإحدى نقاط السياسة الثقافية في تونس ما بعد 2011، التي تقوم على فكرة "الحقّ في الثقافة للجميع"، وتتضمّن بحثاً عن فئات اجتماعية لا تجد حظّها من العرض الثقافي. وقد وجدت هذه السياسات تطبيقاتها من خلال الوصول إلى المناطق الريفية، ثم إلى المؤسّسات التربوية، فإلى السجون، وها هي تطرق أبواب الثكنات العسكرية.

من الزاوية المقابلة، يمكن أن ننظر إلى الأمر كنوع من انفتاح المؤسّسة العسكرية في تونس على الفضاء العمومي، أو على الأقلّ بناء صورة جذّابة قوامها هذا الانفتاح على ما هو فنّي وإبداعي، إضافة إلى التخلّص من ذلك التعامل المتصلّب تجاه كل ما هو نقدي. وها إنّ فيلم "أم العيون" يطرح قضيّةً خطيرة في تونس، هي سوء إدارة الموارد المائية، ويشير بكلّ وضوح إلى خلَلٍ في سياسات الدولة في ملفّ المياه، ومن وراء ذلك قضايا كبرى مثل الأمن الغذائي والسياسات البيئية.

تُشير هذه التوجّهات في تونس إلى تبنّي الدولة، بمختلف أجهزتها ــ من وزارة الثقافة إلى المؤسّسة الأمنية ــ لمطالب رفعها المجتمع المدني قبل 2011 وبعده. ولكن يبقى السؤال المطروح إن كانت هذه التوجّهات ستؤتي أُكُلها المأمول، أو ستغلب عليها النزعة البيروقراطية مثلما حدث لشعاراتٍ سابقة مثل اللامركزية الثقافية والانفتاح على فنون الشارع؟ 

أيضاً، هل يمكن القول إنّ مشروعاً مثل "الحقّ في الثقافة للجميع" قد وصل إلى أهدافه من خلال فيلم في ثكنة عسكرية؟ قد يهرول كثيرون لقول ذلك، لكنّ الحقيقة تقع في مكان آخر، فلا يمكن أن تتحوَّل فُرجة عابرة ــ بمناسبة تظاهرة سينمائية أو مسرحية ــ إلى دليلٍ على أن الثقافة باتت تصل إلى الجميع فعلاً، تماماً كما لا يكفي سنونو واحد كي نجزم بوصول "الربيع" أو أن نطمع في حصادٍ إذا سقينا الأرض ليوم واحد فحسب...

المساهمون