"الأصل الأفريقي للحضارة": استلهاماً من أطروحات شيخ أنتا ديوب

23 مارس 2022
من المعرض (سيث كابلان)
+ الخط -

في خمسينيات القرن الماضي، حُرم شيخ أنتا ديوب من تسجيل أطروحة الدكتوراه في أكثر من جامعة فرنسية، بسبب اختياراته لموضوعاتها التي تعكس رؤيته للثقافة الأفريقية باعتبارها أساساً لحضارات العالم كلّه، ما اضطره أخيراً إلى تقديم رسالة قارَن فيها بين الأنظمة السياسية والاجتماعية في أوروبا خلال العصور القديمة وبين نظيرتها في القارة السمراء.

آمن السياسيّ والمؤرخ السنغالي (1923 - 1986) بأن المشتركات الثقافية التي تربط مصر ببقية البلدان الأفريقية حاضرة بقوة، واقترح العودة إلى الفنون واللغات المصرية منذ الألف السادس قبل الميلاد لإعادة بناء ثقافة معاصرة وفق الأسس نفسها التي قامت بها الحضارة الغربية خلال العصور الوسطى على تراث الإغريق والرومان.

تنظيرات ديوب التي أثارت جدلاً وممانعة كبيرة لها في الأوساط الأكاديمية الأوروبية قبل نحو سبعة عقود، تشكّل مرجعية معرفية وفلسفية لمعرض "الأصل الأفريقي للحضارة" الذي افتتح في "متحف المتروبوليتان للفنون" بمدينة نيويورك منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، ويتواصل حتى عام 2024.

يأتي المعرض في سياق التشكيك بطبيعة المتحف كمؤسسة رأسمالية

يأتي المعرض الذي يحمل عنوان أحد أبرز مؤلّفات ديوب، في سياق التشكيك في طبيعة المتحف بعد الاحتجاجات التي قادتها حركة "حياة السود مهمة" خلال العامين الماضييْن، وطاولت المتحف كمؤسسة رأسمالية تفتقر للعدالة في التوظيف وتوزيع الأجور، وباعتباره امتداداً للاستعمار سواء في تحقيبه للحضارات غير الأوروبية ومنظوره إليها، أو في الإصرار على عدم إعادة الآثار المنهوبة إلى بلدانها الأصلية.

يسعى المنظّمون إلى تجاوز تلك السردية على نحو رمزي، حيث تمّ جمع قطع أثرية من متاحف مختلفة تعود إلى مملكة بنين التي قضى عليها الاستعمار البريطاني عند دخول قواته إلى وسط وغرب أفريقيا خلال القرن التاسع عشر، إلى جوار منحوتات وآثار تنتمي إلى الممالك المصرية القديمة، في تأكيد على أن المجموعة الأولى تشكّل امتداداً للثانية حضارياً وثقافياً، لكن تظلّ جميع هذه القطع موجودة بالقوة خارج موطنها حتى لو عُرضت معاً.

يضيء المعرض المشتركات التي تجمع ثقافات القارة السمراء

يواجه الزائرَ عند دخوله إلى المعرض تمثالٌ من القرن السادس عشر لعازف بوق كان يقف ذات يوم على مذبح الأجداد في قصر الملك أوبا، الذي يقع حالياً في نيجيريا، قبل أن يخلع البريطانيون نظامه السياسي من أجل السيطرة على تجارة زيت النخيل والمطاط في بلاده، ونفّذ النيجيريون معظم منحوتاتهم في تلك الفترة من النحاس والذهب والعاج والخشب والفخار.

إحدى وعشرون قطعة من فنون جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا يقابلها العدد نفسه من المنحوتات المصرية تعود أقدمها إلى عصر ما قبل الأسرات حيث كانت لا تزال الفنون بدائية قبل أن تتطوّر في العصور اللاحقة متجاوزة في دقتها وبراعة تصنيعها جميع فنون القارة السمراء على اختلاف الحقب التاريخية.

يُعرض تمثال "ميمي وسابو" الذي ينتمي إلى الأسرة الرابعة التي حكمت مصر في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وتركت العديد من المقابر بالقرب من مدينة الجيزة، وكذلك تمثال الرجل الحارس الذي يعود إلى عصر الملك أمنمحات الثاني خلال حكْم الأسرة الثانية عشرة حيث تمثّل فترة ازدهار على مستوى العمارة والفنون والأدب.

لا يمكن حسْم المشتركات بين ثقافات القارة السمراء بمجرّد عرض آثارها في صالة واحدة، فاختلاف المعتقدات والعادات والتقاليد والمناخ والبيئة وعوامل الإنتاج في وادي النيل عن بقية الجغرافيا الأفريقية، أنتج تعبيرات فنية لا صلات مباشرة بينها، لكن هناك تشابهات في خلق بعض الشخصيات وسماتها وهيئاتها، بحسب شيخ أنتا ديوب الذي كان يعلم جيداً أنّ القرابة بين أثينا وروما وبين أوروبا الحديثة هي محض اختراع فرضته أيديولوجيا سياسية.

المساهمون