تثير العلاقة بين الإبداع والسجن جدلاً موسعاً حول مفاهيم عديدة تتصل بمفهوم العقوبة والحرية وتمثلهما أدباً وفناً والتي تحاول الباحثة البريطانية كايومي مكافنشي تناولها في كتابها "المسرح والسجن" الذي صدرت نسخته العربية حديثاً عن "المركز القومي للترجمة" في القاهرة، بترجمة ياسمين أحمد فتحي.
ترصد المؤلّفة العلاقة بين المسرح ومجالات الحياة؛ التي التقت إليها وإلى أهميتها كثير من الباحثين، والمراجع التي نُشرت في هذا الشأن خلال الربع قرن الأخير، ومنها علاقة المسرح بالصحة، والتربية، والنفط، والحرب، وعالم المال والمصارف وغيرها.
ينطلق الكتاب من الحديث عن السجون والعقاب، وأن هذه المنظومة المكلفة، التي أصبحت العديد من الدول حول العالم تضيق ذرعاً من تكاليفها الباهظة وتأثيرها السلبي اقتصادياً في الوقت الذي لا تحقق المنتظر منها اجتماعياً، بل وفشلت في بلوغ أي من أهدافها التي أنشئت لأجلها.
ترى مكافنشي أن السجن وعقوباته ليست رادعاً، وهذا ما تشير إليه إحصائيات معدل الجريمة، وأن نسبة المسجونين في ازدياد مستمر ولا فرق في ذلك بين سجون في دول متقدمة أو متأخرة، وكذلك فإن السجن لا يؤدي إلي إصلاح نزلائه، بل تؤكد العديد من الدراسات أن نسبة لا يستهان بها من المساجين يعودون إلى السجن مرات عدة وبعضهم يتمرس على نوعيات مختلفة من الجرائم تعرف عليها خلف أسوار السجن.
تنتقل الكاتبة إلى قراءة العروض المسرحية حول السجن عبر دارسة نماذج عدّة منها مسرحية "العدالة" لـ جون غالسورتي التي أسهمت في تحول حاسم في الإصلاح الجزائي مطلع القرن العشرين، و"الأمر لا يتعلق بطيور العندليب" للمؤلف نفسه والتي نافش خلالها السجن والعدالة، و"الحظ وعيون الرجال" لـ جون هربرت التي ألقت الضوء بقوة على أهمية تأهيل المسجونين بعد الخروج من السجن.
تستعرض الكاتبة ظهور عروض مسرحية في بعض السجون وكيف جرى وضع العراقيل في وجهها من قبل السلطات المسؤولة، خوفاً من أن تدفع السجناء إلى التذمّر ومقاومة واقعهم، وصولاً إلى ما حدث من تغيّرات اليوم وما الدور المأمول للمسرح الذي يمكن أن يكون بديلاً للسجن في توفير عقوبة ذات بعد إيجابي، فالإحساس بالذنب وألم النفس أشد من الجسد، بالاعتماد على دراسات علمية وتطبيقية.