آلان تورين.. غياب العالم كما عرفناه

24 فبراير 2018
(آلان تورين)
+ الخط -

يرى عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين (1925) في كتابه "نهاية المجتمعات" أنّه ومنذ الأزمة الاقتصادية ومع تفكّك الرأسمالية الصناعية، فقدت كل المؤسسات الاجتماعية معناها، ويقصد بهذه المؤسسات تلك الممثّلة بالعائلة والمدرسة وأنظمة الحماية والهيمنة الاجتماعية والسياسية. ويتساءل ماذا يحدث إذا كانت الركائز الأساسية لمجتمعاتنا الديمقراطية تتزعزع في عصر العولمة؟

هذا هو السؤال الأساسي الذي حمل الكتاب على عاتقه محاولة الإجابة عنه. وقد صدرت ترجمة حديثة للكتاب عن "دار الأمان"، ونقله إلى العربية المترجم المغربي عبد الرحيم حزل. يرى الكاتب أنه بعيداً عن الخوف من الفوضى التي ترافق وتسارع الانحدار، يسعى هذا العمل إلى توحيد قصّة نهاية والإعلان عن قصة بداية؛ والمقصود بها نوع آخر من الحياة الجمعية والفردية قائمة على الدفاع عن حقوق إنسان كونية ضد منطق المصالح والسلطة.

من خلال مطالبهم الأخلاقية، استطاع نشطاء "الربيع العربي" وحركة "احتلال وول ستريت"، و"الغاضبون" في بويرتا ديل سول، و"المنشقون الجدد" في الصين، والطلاب التشيليون، أو بشكل أعم، حركة النساء والأقليات الجنسية، تكوين بيئة سياسية تشكّل مسارات العصر ما بعد الاجتماعي وما بعد التاريخي الذي بدأنا فيه، وفقاً لتورين.

ويرى تورين أننا كنا نرى الواقع بعدسات مصطلحات سياسية، كالفوضى والنظام، والسلام والحرب، والسلطة والدولة، والملك والأمة، غير أن هذه المصطلحات وفقاً لصاحب "براديغما جديدة لفهم العالم"، لم تعد كافية لفهم الواقع الجديد من خلال الطبقات الاجتماعية والثورة، والبرجوازية والبروليتاريا، والنقابات والإضرابات. ويرى أن مقولاتنا اليوم غير واضحة، لكن أساسها يكمن في حلول المسألة الثقافية محلّ المسألة الاجتماعية التي كانت في المركز.

يسعى تورين في هذا الكتاب إلى إعادة تعريف الأزمة التي يتخبّط فيها عالم اليوم باستخدام مفاهيم علم الاجتماع، ذلك أن المؤسسات الاجتماعية توظّف ما في أيديها من موارد تماشياً مع التوجهات الثقافية، والقطيعة بين الموارد والرقابة عليها يؤدي إلى تقويض المؤسسات الاجتماعية في رأيه.

لاحظ تورين فقدان المؤسسات الاجتماعية بالتدريج لمحتواها منذ عقود، واعتبر أن هذا الفقدان تجلٍ لنهاية المجتمعات بالشكل الذي كنا نعرفه حتى وقت قريب، متسائلاً إن كان من الممكن للاقتصاد "الذي صار متوحشاً أن يعاد له التحكم من جديد ويعاد له البناء؟".

يقدّم تورين إجابتين عن هذا السؤال؛ الأولى هي التي يختارها علماء الاجتماع في معظم الأحيان؛ وتتعلق بضعف أو زوال المعايير الأخلاقية أو الاجتماعية وأن ما يقودنا هو توجهات اقتصادية أكثر من اجتماعية، أو اجتماعية غير مؤسسية مثل الانتماء إلى شريحة أو الانقياد إلى فئة. أما الإجابة الثانية فهي التي يختارها تورين ويدافع عنها ويقدم حججه لها في الكتاب، وهي أن تحلّ القيم الثقافية محلّ الاجتماعية، وأن أصولها توجد خارج التنظيم الاجتماعي.

المساهمون