باب الحارة الذي أساء لدمشقنا

01 مايو 2018
+ الخط -
على الأرجح، لن ينجح عمل درامي سوري، كما مسلسل "باب الحارة" المستمر منذ عام 2006، رغم أن الدراما السورية أنتجت أعمالا وضعت "المصرية" بموقع الحرج والتلميس على الرأس، كما يقول العامة، وربما بعمل أحلام كبيرة للكاتبة أمل حنا أو بمسلسل الزير سالم لممدوح عدوان وحاتم علي والتغريبة الفلسطينية لوليد سيف وحاتم علي، أمثلة من فيض، ليس إلا.

بيد أن تلك الأعمال وسواها، لم تسوّق اللهجة الشامية ولم تحظ بمتابعة وجدل وتسابق للعرض كما حظي "باب الحارة"، وربما في ذلك أسرار عدة، ربما بكشفها أو فك طلاسمها، نصل إلى أن الدراما التلفزيونية "فرجة" أكثر منها طرح قضايا كبرى، أو هكذا يريد الشارع والجمهور، وأيضاً بذلك حديث آخر ونقاش طويل، حول هل يركض المبدعون وراء الشارع وتحقيق رغباته لطالما أنهم ينتجون سلعاً، أو من واجبهم الأخذ بيده وتطوير ذائقته وحسه الفني والنقدي.

قصارى القول: آثر القائمون على باب الحارة، رغم المواسم العديدة، على تسويق دمشق ومن فيها، على نحو "مشوّه" ومغاير تماماً لحقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، التي يناقشها العمل "قبل وأثناء وبعد الانتداب الفرنسي".


ففي حين يتم التركيز على "العنتريات" وتصنيف الرجال بحسب القوة البدنية وجهورية وارتفاع الصوت وكبر الشاربين، والمرأة على أنها "حرمة" تم تجاهل ما كانت دمشق وأهلوها عليه.

فعلى سبيل الذكر وخلال الفترة ذاتها التي يعكسها العمل، أسقط أهل دمشق صبحي بركات، مرشح الفرنسيين للرئاسة، وانتخبوا محمد علي العابد رئيساً للجمهورية، والعابد لم يكن "عكيداً" يحمل خنجراً ويصرخ بالحارات، بل كان يحمل شهادتي دكتوراه بالهندسة المدنية والقانون الدولي، ولم يكن "شكلين ما بيحكي" بل يحكي خمس لغات بطلاقة "عربية، تركية، فارسية، فرنسية وانكليزية" وعلى الأرجح الكردية لغته القومية.

ولم يكن مرضى دمشق يتقاطرون لمحل "الحلاق" أبو عصام أو يتلقون علاجهم عند "العطارين"، إذ كانت كلية الطب بجامعة دمشق حينئذ قد خرّجت سبع دفعات، وبدمشق نحو 400 عيادة طبية في عام 1936.

ولم تك نسوة الشام حريماً، يجلسن وراء الأبواب بانتظار "ابن عمي" ليغسلن رجليه بالماء والملح ويثرثرن ويكدن، بل كانت حينذاك مريانا مراش وماري عجمي، اللتين أسستا المجلس الأدبي وأصدرتا أول صحيفة نسائية عربية "العروس".

وكان صالون زهراء العابد عام 1930 يتطرق لأعمق القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية، وتأسست وقتذاك جمعيات نسائية بالعشرات، منها نقطة الحليب، التي لم تزل حتى اليوم، وجمعية يقظة المرأة الشامية ودوحة الأدب والرابطة الثقافية النسائية والنادي الأدبي النسائي، ولم يكن لأمثال "أم زكي ولا لغادة بشور أي ذكر بتاريخ دمشق".

خلاصة القول: بعد إدخال "السموم" المذهبية وغزل "الساسة والمحتلين" بعمل باب الحارة، فضلاً عن التشويه غير العفوي لدمشق والمجتمع السوري، لم يعد مأسوفاً على توقف العمل، بل وضرورة تصويب ما كرسه من مغالطات بأعمال تعبر عن دمشق والدمشقيين وتحترم التاريخ وعقول المتلقين، وتحقق المتعة والجذب عبر فلكلور وعادات الدمشقيين.

اليوم، ثمة تأكيدات أن "باب الحارة" سيغيب عن رمضان، بعد أن "خرج من أنوف المشاهدين" ولم يعد من عوامل جذب، حققها، رغم كل السلبيات، خلال مواسمه الأولى.

وكل الأمل أن يغيب للأبد وتنسف هذه السلسلة الممجوجة، وخاصة أن عضو مجلس شعب الأسد، محمد قبنض، (صاحب مقولة تطبيل الإعلام ومن ساوم مهجري الغوطة على الولاء للأسد مقابل شربة ماء)، دخل على خط الإنتاج، وصرح بأن باب الحارة سيأخذ "نكهة عربية" عبر إدخال ممثلين من مصر ولبنان.