هل تستعد "إسرائيل" لذراع قتالية جديدة بسبب صواريخ المقاومة؟

27 فبراير 2018
+ الخط -
تتجّه المقاومة لتطوير صواريخها، وزيادة قوتها التدميرية؛ لما تحققه من تأثير فعال، وبالتالي، فإن سلاح الردع الأساسي الذي تمتلكه المقاومة الفلسطينية لمواجهة إسرائيل هو سلاح الصواريخ، لذلك تسعى المقاومة منذ فترة طويلة إلى امتلاك قدرات صاروخية تمكنها من توجيه ضربات موجعة للعمق الإسرائيلي، ويبدو أنها وصلت إلى نماذج من الصواريخ التي ستكون صادمة للعدو.

كما أن هناك تغييراً يحدث حالياً في التصور الأمني الاسرائيلي، نتاج امتلاك المقاومة لصواريخ دقيقة التصويب، وثارت مؤخراً مخاوف لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من قيام إيران بتحويل صواريخ بسيطة منصوبة في لبنان إلى صواريخ دقيقة، ولذلك، وبدلاً من نقل صواريخ إلى لبنان عن طريق سورية، تستعد إيران لتركيب منظومات توجيه من إنتاجها على الصواريخ البسيطة الموجودة في لبنان، الأمر الذي لا يتطلب إقامة مصانع ضخمة، ذلك يُحتم على الجيش الإسرائيلي ضرورة العثور على الحلول المناسبة لذلك الخطر الذي يواجهه، ويتطلب ذلك تغيير التصور السائد حتى الآن. الاحتلال بدأ مؤخراً بالتهيؤ لوجود كميات هائلة من الصواريخ بمختلف أنواعها وبقدرات تدميرية ودقة إصابة كبيرة، يقدر جيش الاحتلال امتلاك حزب الله 150 ألف صاروخ، والآلاف لدى المقاومة في غزة. إسرائيل تشعر بالقلق إزاء الصواريخ التي تمتلكها المقاومة، خاصة وأن إسرائيل تفترض أن المقاومة لا تستريح عن الاستعداد والتجهز بوسائل قتالية جديدة.

المشكلة الرئيسية في إسرائيل ليست في عدد الصواريخ التي ستطلق كل يوم من القتال، بل في عدد الصواريخ التي ستطلق بالضربة الأولى خلال هجوم مفاجئ، على افتراض أنه ليس لدى إسرائيل نية الدخول في حرب، وكذلك الافتراض المتعلق بعدد عمليات الإطلاق في اليوم خلال الحرب يفترض التقييم أن مئات من الصواريخ التي سيتم إطلاقها باتجاه إسرائيل استناداً إلى أي عملية حسابية على افتراض أن 150 ألف صاروخ يتم تخزينها، وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أنه خلال فترة بسيطة، سيكون لدى المقاومة إن لم تكن قد امتلكت صواريخ دقيقة، يكون كل واحد منها قادراً على إصابة الهدف بمستوى دقة يصل إلى أمتار معدودة، بما قد يؤدي إلى إيقاع أضرار شديدة لمنظومة الاستخبارات والتحكم وقواعد سلاح الطيران، ناهيك عن البنى التحتية مثل شبكات الكهرباء والمياه والوقود، وكذلك رموز الحكم مثل الكنيست والحكومة و"الكرياه" وغيرها.


لقد أدركت المقاومة أن إسرائيل عاجزة عن التعامل مع القوة الصاروخية، وانتقلت لتجهيز نفسها بالصواريخ، للحد من قدرات الجيش الاسرائيلي. استخدام القوة الصاروخية للمقاومة يتيح لها العديد من المزايا خلال المعارك:

1. خلال فترة قصيرة من الوقت يتم اتخاذ قرار الاطلاق وفق تخطيط المهام والوقت المناسب.
2. ليس هناك أهمية للطقس أو الليل والنهار في عمليات الإطلاق.
3. تخزين وتشغيل أنواع مختلفة من الصواريخ من مواقع صغيرة، مموهة، أو من المركبات.
4. الدقة تعتمد على نوعية النظام، أي الصواريخ غير الموجهة أو الصواريخ الموجهة.
5. الوقت القصير بين الإنذار والإصابة له تأثير عملياتي (القليل من الوقت للبحث عن مأوى)، ولديه التأثير النفسي.

بالسابق تم إطلاق الصواريخ على إسرائيل من خلال الصواريخ غير الموجهة، ومدى الضرر، أو حتى التهديد للأهداف الاستراتيجية، كان قليلاً، وكان أهم حدث تعليق رحلات الطيران من مطار بن غوريون بعد استهداف القسام له بالصواريخ خلال حرب العصف المأكول، كما سببت صواريخ القسام مفاجأة لإسرائيل وعطلت جزءاً كبيراً من أهداف الحرب، وكان من الدروس المستفادة من الحروب السابقة مع قوى المقاومة، حاجة المقاومة إلى زيادة كمية الصواريخ لديها وزيادة تهديدها بما يشمل نطاقها ودقتها. السؤال الذي يطرح اليوم في إسرائيل هو كيف يمكن تحييد هذا التهديد، علماً أن أحد المكونات المهمة في العقيدة العسكرية الإسرائيلية هو الردع، وإذا فشل الردع، ولسبب ما سوف تندلع الحرب، وسيكون الجيش الإسرائيلي أمام خيارين:

1. منع تهديد الصواريخ بوسائل الاعتراض الحالية، مثل "القبة الحديدية"، وفي هذه الحالة، يجب على الجيش الإسرائيلي أن يعد نفسه لغرض اعتراض أول وابل من الصواريخ.
2. منع استمرار إطلاق الصواريخ، ويتم ذلك من خلال تدمير الصواريخ التي لم يتم إطلاقها بعد ومازالت على الأرض.

كما أن الأعمال التحضيرية "مرحلة الاستخبارات" والتجهيز لهجوم مفاجئ تستغرق بضعة أيام للحصول على القوة الكاملة على الأرض والقادرة على تحقيق الأهداف.

المحلل العسكري، أليكس فيشمان أشار إلى أنه قبل عدة سنوات، كان من الممكن القول إن سلاح الطيران يمتلك طائرات قادرة على حمل 24 قنبلة موجهة مع رأس ثقيل يزيد عن تلك في الرؤوس البرية المكلفة، والمطارات متوفرة، وكذلك الطواقم، كما أن سلاح الجو قادر على تدمير آلاف الأهداف في يوم واحد، ولديه القدرات على جمع المعلومات الاستخبارية عن الأهداف، ولذلك لم تكن هناك حاجة لصواريخ برية.

ولكن ذلك تغير، بحسب فيشمان، حيث أن هناك تطوراً كبيراً في الأسلحة المضادة للطائرات، والتي يوجد بعضها لدى المقاومة، إضافة إلى كمية من الصواريخ الدقيقة. كما أن توالي إطلاق الصواريخ الدقيقة على المطارات العسكرية لن يشل سلاح الجو الذي استعد لمثل هذا السيناريو، إلا أن فاعلية سلاح الجو التي تقاس بالقدرة على خلق تواصل في الغارات سوف تتضرر، ولن تعود القنبلة الرخيصة على جناح الطائرة ذات أهمية.

وهنا أدركت قيادة الجيش الاسرائيلي أن الحل ينطلق من الإجابة على السؤال المطروح وهو: لماذا لا تنشئ إسرائيل، مثل المقاومة التي تعمل ضدها "وحدة الصواريخ" التي يمكن إطلاقها في وقت قصير؟

قادة العدو غير مهتمين إذا ما كانت هذه الوحدة هي ذراعاً مستقلة، أو أنها ستكون جزءاً من نظام المدفعية والقوات البرية أو جزءاً من سلاح الجو. بالنهاية وبعد مداولات تمت في الرابع من يناير/ كانون الثاني الماضي، في مكتب وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في "الكرياه" (مقر وزارة الأمن) في تل أبيب، تقرر إقامة وحدة صاروخية تابعة للقوات البرية.

يقول أليكس فيشمان، أن الحديث عن قرار ينطوي على بذور تغيير في العقيدة القتالية للجيش، وذلك من خلال بناء منظومة صاروخية فعالة (صواريخ أرض أرض) للمدى المتوسط تنتهي في العام 2020، حيث سارع ليبرمان إلى المصادقة على المشروع، وتخصيص مبلغ نصف مليار شيكل لذلك من ميزانية الأمن، ويأتي ذلك بعد جدال استمر عشرات السنوات داخل الأجهزة الأمنية بشأن الحاجة إلى ذراع صاروخية للمدى 150 وحتى 300 كيلومتر.

بحسب المخطط، سيتم بناء، في المرحلة الأولى، صواريخ أرض – أرض لمدى 150 كيلومتراً، يتم تفعيلها بواسطة القوات البرية، والحديث هنا عن صواريخ "إكسترا" التي تنتجها شركة "تاعاس" (الصناعات العسكرية)، كما سيتم تسليح السفن الحربية التابعة لسلاح البحرية، "ساعار 5" و"ساعار 6"، بهذه الصواريخ، وفي مراحل متقدمة سيتم إدخال صواريخ يصل مداها إلى 300 كليومتر.

يقدر قادة الجيش الاسرائيلي أن منظومة صواريخ "أرض أرض" قد تكون مصيرية في الساعات الأولى للقتال. ويشيرون في هذا السياق إلى سيناريو حصل في السابق، وهو اختطاف جنديين إسرائيليين إلى لبنان، وعندها يكون بالإمكان، وخلال أقل من دقيقة منذ صدور القرار، تدمير جسور الليطاني والحاصباني والزهراني من أجل منع الخاطفين من الفرار شمالاً. وفي العملية التي اختطف فيها الجنديان إيهود غولدفاسر وإلداد ريغيف، في يوليو/ تموز 2006، لم تكن هناك أية مساعدة بنيران دقيقة، كما أن مروحيات الهجوم وصلت عندما كان الخاطفون خارج المنطقة.

لقد استفادت المقاومة من حجم تأثير إطلاق الصواريخ على الجبهة الصهيونية، وبالتالي تسعى اليوم لزيادة تأثير الصواريخ بشكل أكبر، ومن الواضح أن المقاومة قرأت العبر من الحروب الأخيرة بشكل جيد، ووضعت يدها على نقاط الضعف، ومن خلال قراءة نقدية موسعة لتفاصيل المعارك الأخيرة، بدت أكثر سرعة في تنفيذ ما وصلت إليه من ضرورات يجب تقويتها تحضيراً للمعركة القادمة.
3941E3F4-73BC-4C06-911F-A27ED8C6DE6B
رامي أبو زبيدة

كاتب وباحث فلسطيني مختص بالشأن العسكري للمقاومة الفلسطينية، حاصل على درجة الماجستير في القيادة والإدارة.يقول: أنا فلسطيني أحب وطني ومن أجل ذلك أسعى لإعطاء المقاومة والمقاومين حقهم والدفاع عنهم وإبراز الصورة الحقيقية لتضحياتهم.