"فيسبوك"... أسماء مستعارة وضوابط محيّرة!

21 يناير 2018
+ الخط -
أصبحت الكثير من "البوستات" التي تنشر عبر موقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك" تتضمن، وللأسف، عبارات سوقية مبتذلة جوفاء! إنَّ هذه المنشورات، عكست وبصراحة، الخواء الداخلي الذي نُعاني منه، ما دفع الكثير من الأصدقاء والزملاء، والعامّة من أصدقاء الأصدقاء، إلى الإسراع في نشر أي شيء يخطر على البال، لمجرد النشر ليس إلا، وهذا ما جعل من موقع الشبكة المحترمة يتراجع، وبشكلٍ مخيف ومرعب!

نحن نعرف أنَّ النشر الصحفي، ومهما كان حجم المادة المنشورة، "البوست" يجب أن يكون معبّراً، ويخدم شريحةً كبيرةً من العامّة لا أن ينضوي في مهاترات، وعبارات مسلوقة، جوفاء ماسخة، ما أنزل الله بها من سلطان، وتكريسها وتفعيلها لتصوير حالة خاصة لا هدف لها ولا معنى!

إنَّ النشر بهذه الطريقة، ومن خلال "فيسبوك"، الذي أفسح المجال واسعاً، وبحرية مطلقة أمام الجميع، وبدون استثناء، لا يعني أن نكتب أي شيء، وبدون هدف، ونتسابق إلى نشره ومهما كان المبرر!

المطلوب هو اختيار الموضوع بدقّة متناهية، بما يخدم العامّة، وليس من باب استسهال النشر، وهذا الاستسهال مضرّ وكريه، وينعكس على النتاج العام، والإساءة بالتالي، لموقع "فيسبوك"، الذي وجد ليغني مداركنا ومعارفنا، لا أن نستخدمه في أغراضٍ باهتة، ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة، بل أكثر ما يقول عنها القارئ إنّ هذا التسابق نحو النشر أساء للموقع، وأفرغه من مضمونه على الرغم من ايجابياته الكثيرة!


والضرورة تقتضي من إدارة الموقع، مشكورةً، مراقبة كل ما ينشر، والعمل على حذف كل ما يسيء للموقع وللأشخاص، على أن يكون المنشور له قيمته وهدفه، لا أن نعرّي صورة عمر وزيد من الناس، ونشير - بالتالي - إلى قوالب فردية، وقصص "معتّة" و"نافقة"، وحوادث لمجرد الإشارة.. وهناك الكثير من الصور التي لا قيمة لها!

وليدرك الجميع أنّ الموقع ما هو إلا مجرد جريدة لحظية الهدف منها أن تصل لكافة شرائح المجتمع، أقصد كل ما ينشر فيها، لا أن نحوّلها إلى جريدة مسلوقة مستهلكة، مترهّلة لا قيمة لها، وأن يعي كل من له حق النشر أن يعتبر نفسه بمثابة رئيس تحرير..

إنَّ التسرّع في النشر، من أكبر الأخطار التي تواجهنا اليوم، ويجب علينا إعادة النظر في المنشورات قبل الإقدام عليها، وهذا ما يعني ضرورة الترفّع عن ذلك، والبحث عن الهدف السامي لما هو متاح بين أيدينا اليوم من حرية النشر، وهذا ما يرغّب الكثيرين في متابعة "فيسبوك"، الموقع الاجتماعي الأكثر شهرةً ومرونة ومتابعة، والذي فسح المجال واسعاً أمام الجميع بقول ما يجول بخاطره، ولكن على أن يكون مفيداً ونافعاً..

وهناك أسماء مستعارة تقوم بنشر الأقوال البذيئة ضد الغير من دون رادع من ضمير أو أخلاق، كما يقوم البعض بتشويه أسماء وشخصيات مختلف معها سياسياً، وذاك التشويه يصل إلى حد ما يمكن أن يُسمى باغتيال الشخصية الآثم، أي نشر الإشاعات المغرضة ضده والاتهامات الفاضحة في شخصه وأسرته وسمعته.

من الظواهر الأخرى المتابعة الجهنمية والسلبية من بعض الأشخاص لأسماء الشخصيات العامة، حتى لو تركت مناصبها العامة، فهي مطاردة في حلّها وترحالها بالإشاعات السود، وبفحش الكلام والفسوق في الخصومة، وفي كشف المستور أو التعرية السياسية أو الاجتماعية. وكم من الأشخاص يقوم بالسب واللعن والشتم واستخدام كلمات نابية على رؤوس الأشهاد، فقط لأنه يكتب تحت اسم مستعار ومموه، ولأنه غير معروف للآخرين. ويستفيد من هذه الفرصة ضعاف النفوس والمهووسون وفاقدو القدرة على النقاش الموضوعي ومواجهة الخصم السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي.

كما أن هذا النوع من السلوك يشيّع الكراهية بين الفئات المختلفة، ويسمّم أجواء المجتمع بإشاعة رذيلة الكذب، بخاصة أنه يقع على نسيج اجتماعي -في الغالب- فاقد للقدرة على التمييز بين الخبيث والطيّب، وبين الصدق والإشاعة، كما أنه يعمّق الجهل، وينشر الخصام ويشجّع على تبنّي الأفكار المسبقة.

لا أعرف وسيلة من أجل الحد من كل تلك التشوّهات غير التثقيف الإيجابي، والحث على استخدام العقل والإنصاف مع الآخر "المختلف" وتلمّس هوامش مشتركة بين الفئات المختلفة، حيث إنَّ الاختلاف في معظمه سياسي، والسياسة أخذ وعطاء وفكرة تنقض فكرة.

من الأسباب التي تنشر هذا السلوك الخاطئ أيضاً عدم القدرة عند الكثير منا على التفريق بين القول نفسه وقائله، بل في بعض الأوقات ينقل البعض قولاً لآخرين فينظر ذلك المتوتر أن هذا القول المنقول هو قولنا نحن لا قول من نقل عنه فيتخذ موقفاً عدائياً وشخصانياً حتى الثمالة.

إنًّ العصر الذي نعيش فيه يتسم بغلبة المعلومات وسرعة انتشارها بين الناس بطرق شتى، والخطورة أنّ بعض هذه المعلومات زائفة أو ملفّقة.

إنَّ المعلومات تتضاعف، وبشكلٍ مرعب، وهذا ما يجعل من هذا السلاح أخطر أسلحة الإقناع، والإقناع المضاد. إنه كالمضاد الحيوي لو استخدم بطريقة سلبية لأضعف الجسد إلى درجة الهلاك!

وكنا نُمني النفس أن يترفّع مبدعوها عن ذكرها، أو التنويه عنها بهذه الصورة الماسخة، لأنها تسيء للكثير من الأشخاص، كما يجب أن نكون دقيقين في اختيار ما نكتبه، ونقشّره تماماً من الدنس والخبث واللؤم، ونأمل أن تكون هذه العبارات موجهة في طريق الحياة السالكة، لا أن نجعل منها مبتدأً وخبراً لكل من "هبَّ ودب"، وسوّلت له نفسه أن يقذف بالمحصّنات، ويُغربل الناس بغربال الحقد والغل، حسب ذوقه ومزاجه! وفي هذا تعدٍ صارخ على الغير، ومن الأفضل أن يُعالج ما يكتبه بطريقةٍ تجعل من الطرف الآخر يفهم المقصود، بأسلوب حضاري، بعيداً عن استخدام الكلمات الخادشة للحياء التي يظل لها مردودها العكسي!

"فيسبوك"، رغم محاسنه الكثيرة، إلا أنه أفرز بالمقابل مساوئ كثيرة وأبطالها، وللأسف، المثقفون أنفسهم من الشباب الذين يمطروننا بوابل من المقترحات، والإرشادات والنصح..

والأنكى من ذلك هو الانحدار الأخلاقي للمرادفات والجمل والتراكيب التي يُفاخر بها الشخص صاحب البوست، ويشاركه الجهل في ذلك، صديقه المأسوف على شبابه، بالتعليق أو بالإعجاب بكلمات نابية معسولة بعيدة كل البعد عن إطارنا ومفهومنا العام، وفي هذا إساءة لدور الشباب في المجتمع، الذي أكثر ما يفاخر بالأهل والعشيرة، ويُسلط قلمه على عباد الله، ناهيك عن الأخطاء الإملائية الكثيرة، التي نلاحظها، والتي يكون أبطالها عمالقة "البوستات" الذين يترصدون حياة الناس، ولم يعودوا يرون أمامهم، بل يفكرون بالتسابق على نشر "البوست" وإظهاره بصورةٍ عجلة حتى يُقرأ ويصفّق له الأصدقاء ظانين أنّه، ولمجرد النشر، أصبحوا من عمالقة الكتّاب والمفكّرين، وما هي إلا مجرد أنفاس باردة سرعان ما تتبخر!

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.