من يحاسب الرئيس؟

05 اغسطس 2017
+ الخط -
بدأ المستشار الخاص ورئيس لجنة التحقيق في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، روبرت مولر، في استخدام واحدة من أكبر هيئات المحلفين في واشنطن، وذلك للاستعانة بصلاحياتها في إصدار مُذكّرات استدعاء لإجبار الأشخاص على الإدلاء بشهاداتهم، وذلك في خطوة جديدة على مسار التحقيقات التي يُجرِيها في واحدة من أكبر القضايا في العالم، والتي تتوسَّع يوماً بعد يوم، وتشملُ عدداً كبيراً من المسؤولين في البيت الأبيض من الذين قادوا الحملة الانتخابية لترامب. تلك التحقيقات الجادة والمعمقة التي تدفعنا جبراً للمقارنة بحال مصر، والسؤال حول محاسبة الشخص الذي يحتلُّ منصب رئيس الجمهورية، بعد عدد لا يُحصى من الكوارث والخطايا، أم أنه قد كُتب علينا أن يظل فرعون فرعوناً يحكم بلا محاسبة ولا رقابة مهما بلغت تصرفاته؟

روبرت مولر، هو مدير مكتب التحقيقات الفدرالية الأسبق، وصاحب الواقعة الشهيرة عام 2004 حينما وقف في وجه الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن، رافضاً مقترحه ببرنامج سرّي للتنصُّت والمراقبة محلياً دون إذن قضائي، هدد خلالها بتقديم استقالته إذا تم إقراره، وهو ما لم يتم، والذي فور تعيينه من وزارة العدل كمحقق خاص في القضية، لم يكتفِ بالادعاءات التي قالها الرئيس ولا خصومه، وإنما قام بتوسيع التحقيقات لتشمل التدخل الروسي في الانتخابات، وتواصل الحملة الانتخابية لترامب مع الروس، ومدى توغل ترامب في مسار العدالة، بإقالة رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي، جيمس كومي، الذي كان يقود التحقيق في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات، وهي التهمة، عرقلة سير العدالة، التي قد تؤدي بالإطاحة بترامب، وكذلك التحقيق في المعاملات المالية لكل من مستشار ترامب وصهره، جارد كوشنر، ورئيس الحملة الانتخابية السابق، بول مانافورت، ومايكل فلين، الذي أقاله ترامب من منصب مستشار الأمن القومي على خلفية علاقاته مع روسيا، وعدد كبير آخر من المقربين من الرئيس. 

وعقب توليه مسؤولية التحقيق قام مولر بتشكيل لجنة من المحققين المُحنكين، بينهم خبير في ممارسة ضغوط على الشهود في القضايا المتعلقة بالمافيا، إلى جانب خبير في غسيل الأموال كان قد لاحق مليارديراً فاسداً من قبل، إضافة إلى واحد من أكثر مرافعي المحكمة العليا خبرة، وهو ما تبعه استدعاء عدد كبير من المقربين من ترامب لجلسات استماع داخل مجلس الشيوخ، كان أبرزهم نجله الأكبر الذي تم اكتشاف لقاء له مع محامية روسية طلب منها مواد مضرة بالحملة الانتخابية لمنافسة والده هيلاري كلينتون، أثناء الانتخابات.

أضف إلى الوقائع السابقة قرار مجلس الشيوخ بإجماع جميع أعضائه، حتى أولئك المنتمين للحزب الجمهوري الداعم لترامب، بتعطيل صلاحيات رئيس الجمهورية في إجراء تغييرات على أجهزة الدولة خلال عطلة المجلس الصيفية، وكذلك تقديم قانون لحماية مولر من الإقالة ليتبين لنا المعنى الحقيقي لدولة المؤسسات، وليظهر لنا أكثر وأكثر مدى التخلف والدكتاتورية التي نغرق فيها وقد صار الرئيس يتحكم في مصير البلاد والعباد وكأنهم إرث عن عائلته، فيقوم بتشكيل برلمان على هواه وداخل أروقة أجهزته الأمنية، وفق ما شهد به د. حازم عبد العظيم رئيس لجنة الشباب في حملته الانتخابية والمشارك في تلك الطبخة. والتحقيق الذي أجراه الصحافي حسام بهجت عن تلك الكارثة التي لم يحقق فيها أحد. ومن خلال ذلك البرلمان المطهو أمنياً، استطاع الرئيس الاستحواذ على السلطة القضائية أيضاً، وذلك عبر قانون يمنحه الحق في تعيين من يرضى عنه في المناصب القيادية في الهيئات القضائية ويحرم من لا يوافق هواه، ليكون بذلك قد جمع السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، في قبضة يده، دون رقيب ولا مراجع. 

وخلال ثلاث سنوات خلت من عمر رئاسة السيسي، رأينا كيف يكون فرعون مُطلق الصلاحيات هو وجنوده، يُحيون ويميتون كيف شاءوا، لا يحاسبهم أحد ولا يعترض على فجرهم أحد مهما بلغت خطورة وكارثية تصرفاتهم وقراراتهم. فصارت قوات الأمن تُصفي العشرات جسدياً وتخفي أضعافهم قسرياً وتعتقل عشرات الآلاف وتعتدي عليهم بالتعذيب، كل ذلك دون تحقيق ولا محاسبة ولا صوت واحد في أجهزة الدولة يُطالب حتى بالتحقيق، عشرات من القرارات الاقتصادية المدمرة والطاحنة للغالبية العُظمى من الشعب، أدت لهبوط ملايين منهم إلى مستويات معيشة قاهرة ومؤلمة وغلاء شديد، ومشروعات ضخمة تستنزف قدرات الدولة المالية، الضعيفة جداً بالأساس، دون جدوى ولا ضرورة على حساب مقومات الحياة الضرورية للناس، وغيرها من الكوارث التي لا يمكن حصرها في عشرات المقالات، كل ذلك ولم نسمع صوتاً من الدولة ولا نعرف من يمكنه أن يُحاسب هذا الرجل ومن معه.

لقد غاصت مصر في وحلة من الاستبداد والدكتاتورية العسكرية جعلت منها كابوساً لا يطيقه أحد سوى أولئك المنعمون في خيرات فرعون، تلك الوحلة التي لا يعرف الناس لمن يشتكون ولا كيف يعترضون بعد أن صار الاحتجاج جريمة لا تغتفر من النظام المجرم الذي كتّف المجتمع بأكمله. تلك الدكتاتورية التي تضع أقدار ومصير وحياة عشرات الملايين في يد شخص واحد، ثبت إجرامه وفشله، لا يراجعه ولا يحاسبه أحد، تجعل كل السيناريوهات السوداء في إطار الممكن، إذا ما أراد الشعب يوماً أن يكسر ذلك القيد. 

A3B8DCEF-828F-4745-BB47-4B4EB767E061
أحمد عابدين

صحفي وكاتب وباحث مصري، يعمل بالصحافة منذ عام 2006، ترأس تحرير مجلة "شبابيك"، أول مجلة صحفية حقوقية في مصر، يكتب في الشأن السياسي والاجتماعي.