ماتت أيقونة الثورة السورية

17 اغسطس 2017
+ الخط -
كست ألوان الوجع اليوم، جل صفحات التواصل الاجتماعي على رحيل من يسميها السوريون "أيقونة ثورتهم" فدوى سليمان، لتعج الأسئلة ثانية بالرؤوس، حول مصير الثورة التي يحاول من ادعى صداقة السوريين قتلها، قبل من أعلن عليها وعليهم العداوة، فساهم بالتسليح وقاد حرف الثورة إلى غياهب المجهول، ليروّج اليوم بأن لا بديل عن الأسد وإن لأجل مسمى "مرحلة انتقالية، قد تطول ريثما يبلغ حافظ الأسد الثاني، سن تسلم الحكم، أو يعدّلوا له الدستور كما بشار، إذ "من شابه أباه فما ظلم". هل فعلاً دخلت ثورة السوريين بمنعطف الطائفية التي اشتغل عليه بشار الأسد، بكل ما أوتي هو وحلفاؤه بطهران، من مكر و"تحريض"؟

إن كان الجواب نعم، فمن يبرر حزن السوريين اليوم، وبكل مكوناتهم، على الثائرة فدوى سليمان، ابنة صافيتا السورية. وكانت أول من تظاهرت و تنبأت واشتغلت على إبعاد الثوار عن الطائفية والسلاح. وأعلنت غير مرة أنهما، أي الطائفية والسلاح، مقتلة الثورة التي يسعى الأسد لتوريط السوريين بها. وهذا، وبشهادة فدوى، ما دفعها لتترك ساحات التظاهر بدمشق في برزة وتسرع لحمص، مهد الثورة السورية، وتحذر من مخطط الأسد بعسكرة وتطييف الثورة.


أوليس بحزن السوريين على "ضفة" وليس صفة الثورة والمعارضة اليوم، دليل قاطع على فشل نظام الأسد، بفزاعة "الأسلمة وسنية الثورة"، والتي استمال عبرها، جل من حوله حتى اليوم؟

وأيضاً، أليس ما حدث اليوم من نهاية لفصل ثائرة، هو تتمة لمقدمات، قام بها ثوار حمص، يوم استشعروا الخطر على فدوى، ومن أطراف عدة، فآثروا إخراجها من اغتيال محتمل، ليحافظوا على نقاء ثورتهم وصوفيتها، وإن بالحدود المقدور عليها.

تروي فدوى فيما تروي، كيف كان ثوار حي الخالدية بحمص، ينقلونها من بيت لآخر، ومن مخبأ لثان، لئلا يطاولها شرر الحقد أو رصاصات الغدر، من نظام أوجعه خروج فدوى وتقدمها المظاهرات، فأبطلت مقولاته الطائفية، ومن "متأسلمين" رأوا بخروج فدوى، ربما خروجاً عن تعاليم دينهم، البعيد عن الإسلام، وفق ما أكدت الأحداث وبرهنت الدلائل.

قصارى القول: فدوى سليمان التي توفاها الله صبيحة اليوم، في ضواحي العاصمة الفرنسية، بعد معاناة صامتة مع سرطان الرئة، من قلة من استشعرت، نوايا الأسد بحرف ثورة السوريين، فخاطرت بحياتها لتنبيه الثوار وكشف خطط الأسد. وفدوى ذاتها من أول من استشعر مخاطر استمرار الثورة بفخ التسليح، بل ورأت أبعد مما يراها غيرها.

ففدوى من نادى لمحاربة السلاح عبر الفن. وآثرت وعبر طرائق ومحاولات كثيرة، تكريس سلمية الثورة، ومواجهة سلاح الأسد، عبر أسلحة الثورة الأولى، من فن وتظاهر ورسوم وهتافات، ولعل في آخر إطلالة علنية لها قبل عامين، تأكيدا على فهم فدوى ربما إلى أبعد مما رمى إليه الأسد، إن لتقسيم سورية، أو أخذها لمتاهات المجهول عن الطائفية، ونبش كل ما يدعيه نكوصيو الأسد وشركاؤه بطهران.

فقدمت فدوى سليمان، من إحدى قاعات جامعة "السوربون بانتيون" في فرنسا محاضرة بعنوان "الفن في مواجهة السلاح"، بدعوة من مجلة "روكين" وجمعية العالم العربي، وتجمع "شمس"، وبحضور طلاب جامعة السوربون بانتيون في باريس، وعدد من الشخصيات الثقافية، وأعضاء جمعيات مدنية مختلفة.

أجابت خلال المحاضرة على أسئلة، ربما فيها ملامح الخلاص، من قبيل، هل يمكن للفن أن يغير الواقع؟ ما التغيير الذي أحدثه الفن في سورية الثورة؟ وقد بدأت بالفن الشعبي أولاً الذي أسهم في صناعة الثورة، لا بل أشعلها وأوقد نارها.

واستحضرت أمثلة من زمن "صوفية الثورة" عبر بعض الفيديوهات المصورة التي عبرت عن الوجع السوري، وشحذت الهمم وشجعت على الوقوف بوجه الظلم، والذي بدأ مع أهالي درعا عندما أطلقوا شعار "سورية لينا وماهي لبيت الأسد" بغناء على إيقاع ولحن "الجوفية" الشعبي وأغنية الفنان سميح شقير، وما تلاها من تضامن شعبي كبير مع أهالي حوران.

لتدلل فدوى، بالآن نفسه، على ما فعلت تلك الفنون بآلة الأسد السياسية والعسكرية، معرجة على فن الرسم والكتابة على الجدران "الغرافيتي" وأثره الأمضى من الرصاص، الذي للأسف، تم جر السوريين له، ليدافع عن نفسه قبل أن تأخذ الثورة مسارات، ربما كان لها الدور الأهم، بتشويهها وركوب "الغرباء" عليها.

نهاية القول: ثمة رسائل أطلقها السوريون المعارضون لاستبداد الأسد اليوم، لعل في مقدمتها، نحن لسنا طائفيين كما تدعي، وهذه الفدوى التي فدت ثورتنا، نحن منها وهي منّا، وليست منك.

وليؤكد السوريون من ضمن رسائلهم اليوم، ثورتنا باقية وستعود، وها نحن من خلال الحسرة على فدوى التي قهرها سرطان الأسد، والحسرة على زمانها، وزمن ثورتنا الجميلة، نقول للعالم ولمن يهمه الأمر، سنعاود الكرّة بعد تنظيف ثورتنا مما ركبها من شوائب، لنصل وحلم السوريين، لدولة ديمقراطية، خالية من القهر والاستبداد... تشبه فدوى سليمان وجيلها.