02 سبتمبر 2024
أسطورة عنترة بن شداد العبسي
حدثني الأخ العزيز محمد دري أبو فرحان الحمصي. قال:
في يوم من الأيام، يا أستاذ، كان عنتر بن شداد ـ الله يرحمه ـ مريضاً يعاني من (الجريب).. وكانت عبلة جالسة بالقرب من مضجعه في الخيمة، تعصر له ليموناً حامضاً وحصرماً، وتسقيه العصائر بيدها، لأن الجريب لم يُبْقِ فيه ـ يا حسرات قلبي ـ من العزم ما يكفي لأن يرفع الكأس إلى فمه..
وفجأة، انتابته نَزْلةٌ من البَرْديّة، فارتعد جسدُه، وأخذتْ أسنانُه تصطكُّ، وشفتاه تتلاحمان، وتتنافران، وتقولان: بب بب ب ب..
لم تكن عبلة خاملة ولا كسولة؛ فسرعان ما أضرمت النار في الأثفية، وقامت إلى (بخاويش) الخيمة وثقوبها، فسَدَّتْها بقصاصات من الخرق البالية، وأنزلتْ بعضَ اللحف والبطانيات السميكة، ودثرته.. ثم كتبت على قصاصة من الورق المقوى عبارة (عذراً.. صاحب الخيمة مريض.. يرجى عدم الإزعاج).. وعلقتها على الباب الخارجي.
أحس عنتر بالدفء، فهدأ قليلاً، وتوقف جسده عن الاختلاج، وارتسمت على وجهه ابتسامة رائقة.. وفجأة قُرع الباب.. ترافقَ قرعُه مع أصوات بضعة رجال من (بيت العبسي) وهم يستجيرون، ويصيحون:
- دخيلك يا عنتر، لقد اجتاح الغزاةُ ديارنا، قتلوا الرجال، وسَبوا الحرائر، وسرقوا الحلال.. إلحقنا.. يا عنتر، يا ابن العم، ما لنا غيرك..
تحامل عنتر على نفسه، وهمَّ بمغادرة الفراش، وهو يقول بصوت واهن: عونكم يا أولاد العم..
ولكن عبلة سبقته إلى الباب وقالت لهم:
- نعم؟ ماذا تريدون من عنتر بعد؟ ألم يكفكم كلُّ ما قدمه لقبيلتنا من تضحيات وبطولات وانتصارات؟ ألا ترونه الآن رازحاً في ثياب المرض وحرارتُه أربعون درجة مئوية وبضع شخطات؟.. ثم إنه..
لم تستطع عبلة إكمال جملتها، ذلك أن عنتر جاء من خلفها، ودفعها بقوة، فأزاحها من طريقه، وهو يقول لها:
- اسكتي عبلة وسدي بوزك.. أنت أيش حشرك بين الزلم؟
وارتدى (بردسونَهُ) الشتوي السميك، ولف رأسه بمنديل من الصوف، وتمنطق بالسيف والدرع، وحمل رمحه الرديني، ونط فامتطى صهوة حصانه الأدهم.. وانجرد ليخرج من الباب، وإذا بعبلة تستوقفه وترجوه أن يصحبها معه.. ذلك أنها وضعت في حسابها أن الكر، والفر، وصليل السيوف، وقَرْع القنا بالقنا، سيجعله يتعرَّق، ثم يلفحه الهواء البارد، فتنتكس صحتُهُ، ويصبح بمسيس الحاجة لأن يشرب كأساً من البابونج مع حبة (سيتامول)،.. ومَنْ هي القادرةُ على تقديم عناية مشددة على هذا النحو لعنتر غيرها؟
بلا طول سيرة، نزلَ عنتر بالأعداء تقتيلاً وتجريحاً وجندلةً، أذلهم وأهانهم وكسر شوكتهم، واسترد الحلال المنهوب، وقفل عائداً نحو الخيمة..
ههنا حصل الأمر الذي يمكن تصنيفُه في خانة سوء الحظ والطالع.. ذلك أن عبلة ـ الله يصلحها ويهديها ـ لم تصطبر حتى تصل مع فارسها المقدام إلى الخيمة.. بل طلبت منه التوقف بالقرب من مكان خرب مهجور من أجل أن تقضي حاجة.. وإذا بها تقع في كمين نصبه الأعداء لعنتر، فخطفوها وطاروا بها هاربين..
بعد مضي عشر دقائق وبضع ثوانٍ، انتبه عنتر لطول غياب عبلة، فدخل المكان المهجور باحثاً عنها، وحينما أيقن أنها قد خُطفت. لكز الأدهم في خاصرتيه، وتتبع الأثر حتى أدرك الأعداء، فجندل بقيتهم الباقية، وحررها وأعادها إلى مضارب القبيلة.. ولكنه كان قد زعل منها زعلاً شديداً، وحلف عليها يميناً بالطلاق بالثلاث، وأرسلها إلى دار أهلها إلى غير رجعة.
وأما رجال القبيلة، فقد عابوا عليه إصغاءه لكلام زوجته، إذ ليس من الرجولة أن يأخذ الرجلُ بكلام (حرمته).. ومن يومها أطلقوا عليه اسم (عنترة).. بدلاً من اسم عنتر!
في يوم من الأيام، يا أستاذ، كان عنتر بن شداد ـ الله يرحمه ـ مريضاً يعاني من (الجريب).. وكانت عبلة جالسة بالقرب من مضجعه في الخيمة، تعصر له ليموناً حامضاً وحصرماً، وتسقيه العصائر بيدها، لأن الجريب لم يُبْقِ فيه ـ يا حسرات قلبي ـ من العزم ما يكفي لأن يرفع الكأس إلى فمه..
وفجأة، انتابته نَزْلةٌ من البَرْديّة، فارتعد جسدُه، وأخذتْ أسنانُه تصطكُّ، وشفتاه تتلاحمان، وتتنافران، وتقولان: بب بب ب ب..
لم تكن عبلة خاملة ولا كسولة؛ فسرعان ما أضرمت النار في الأثفية، وقامت إلى (بخاويش) الخيمة وثقوبها، فسَدَّتْها بقصاصات من الخرق البالية، وأنزلتْ بعضَ اللحف والبطانيات السميكة، ودثرته.. ثم كتبت على قصاصة من الورق المقوى عبارة (عذراً.. صاحب الخيمة مريض.. يرجى عدم الإزعاج).. وعلقتها على الباب الخارجي.
أحس عنتر بالدفء، فهدأ قليلاً، وتوقف جسده عن الاختلاج، وارتسمت على وجهه ابتسامة رائقة.. وفجأة قُرع الباب.. ترافقَ قرعُه مع أصوات بضعة رجال من (بيت العبسي) وهم يستجيرون، ويصيحون:
- دخيلك يا عنتر، لقد اجتاح الغزاةُ ديارنا، قتلوا الرجال، وسَبوا الحرائر، وسرقوا الحلال.. إلحقنا.. يا عنتر، يا ابن العم، ما لنا غيرك..
تحامل عنتر على نفسه، وهمَّ بمغادرة الفراش، وهو يقول بصوت واهن: عونكم يا أولاد العم..
ولكن عبلة سبقته إلى الباب وقالت لهم:
- نعم؟ ماذا تريدون من عنتر بعد؟ ألم يكفكم كلُّ ما قدمه لقبيلتنا من تضحيات وبطولات وانتصارات؟ ألا ترونه الآن رازحاً في ثياب المرض وحرارتُه أربعون درجة مئوية وبضع شخطات؟.. ثم إنه..
لم تستطع عبلة إكمال جملتها، ذلك أن عنتر جاء من خلفها، ودفعها بقوة، فأزاحها من طريقه، وهو يقول لها:
- اسكتي عبلة وسدي بوزك.. أنت أيش حشرك بين الزلم؟
وارتدى (بردسونَهُ) الشتوي السميك، ولف رأسه بمنديل من الصوف، وتمنطق بالسيف والدرع، وحمل رمحه الرديني، ونط فامتطى صهوة حصانه الأدهم.. وانجرد ليخرج من الباب، وإذا بعبلة تستوقفه وترجوه أن يصحبها معه.. ذلك أنها وضعت في حسابها أن الكر، والفر، وصليل السيوف، وقَرْع القنا بالقنا، سيجعله يتعرَّق، ثم يلفحه الهواء البارد، فتنتكس صحتُهُ، ويصبح بمسيس الحاجة لأن يشرب كأساً من البابونج مع حبة (سيتامول)،.. ومَنْ هي القادرةُ على تقديم عناية مشددة على هذا النحو لعنتر غيرها؟
بلا طول سيرة، نزلَ عنتر بالأعداء تقتيلاً وتجريحاً وجندلةً، أذلهم وأهانهم وكسر شوكتهم، واسترد الحلال المنهوب، وقفل عائداً نحو الخيمة..
ههنا حصل الأمر الذي يمكن تصنيفُه في خانة سوء الحظ والطالع.. ذلك أن عبلة ـ الله يصلحها ويهديها ـ لم تصطبر حتى تصل مع فارسها المقدام إلى الخيمة.. بل طلبت منه التوقف بالقرب من مكان خرب مهجور من أجل أن تقضي حاجة.. وإذا بها تقع في كمين نصبه الأعداء لعنتر، فخطفوها وطاروا بها هاربين..
بعد مضي عشر دقائق وبضع ثوانٍ، انتبه عنتر لطول غياب عبلة، فدخل المكان المهجور باحثاً عنها، وحينما أيقن أنها قد خُطفت. لكز الأدهم في خاصرتيه، وتتبع الأثر حتى أدرك الأعداء، فجندل بقيتهم الباقية، وحررها وأعادها إلى مضارب القبيلة.. ولكنه كان قد زعل منها زعلاً شديداً، وحلف عليها يميناً بالطلاق بالثلاث، وأرسلها إلى دار أهلها إلى غير رجعة.
وأما رجال القبيلة، فقد عابوا عليه إصغاءه لكلام زوجته، إذ ليس من الرجولة أن يأخذ الرجلُ بكلام (حرمته).. ومن يومها أطلقوا عليه اسم (عنترة).. بدلاً من اسم عنتر!