يوم مشت الغسالة مثل تكسي الغرام
حدثنا صديقنا الظريف "أبو الجود" عن جاره المنحوس "أبو رشدي"، الذي كان عاطلاً عن العِلْم والتعليم والدراسة والمجتمع، وفجأة تزوج، وزوجتُه طلبت منه أن يخرج للعمل، فقرر أن يشتغل في التمديدات الكهربائية دون أن يكون له معرفة أو دراية بهذه المهنة المعقدة. وكان أولى ضحاياه أبو الجود نفسه الذي استأجره لإصلاح جرس الباب الخارجي، فأصلحه بالفعل، ولكن الجرس صار يرنّ بعد الكبس على المأخذ بنصف ساعة، ويستمر في الرنين حتى ولو فُصِلَ التيار الكهربائي عن المنزل كله!
قال أبو جهاد: أبو الجود بالعادة بيكذب، وبيبالغ، ولكن كل شي بينحكى عن أبو رشدي صحيح. أنا أبداً ما بنسى يوم اشتريت غسالة أوتوماتيك لأول مرة واستأجرت أبو رشدي حتى يصلحها.
قال كمال: كيف يصلحها؟ ليش إنته اشتريتها قديمة ومستعملة؟
قال أبو جهاد: لا. نحنا اشتريناها جديدة من الوكالة. لكن بعدْما جبناها وحطيناها في المطبخ وقعنا في أزمة، وصرنا نسأل عن شخص مختص بتركيب الغسالات الجديدة. قالوا لنا: أبو رشدي يمكن أن يركبها. وأنا لما ذكروا لي أبو رشدي اندهشت، لأني بعرف أنه طول عمره وهوي موظف في "شركة اللف والدوران والتسكع المتحدة"، وتذكرت المتل الشعبي: طول عمرِكْ يا زبيبة في بقفاكي عود" يعني أبو رشدي أيمتا صار كهربجي؟ قالوا لي: من زمان، لما كان شاب زغير، ومن كتر ما أجت شكاوي عليه لوالده الله يرحمه، زعل منه زعلة قوية، وربطه بشجرة التين، وضربه مئة عصاية على مؤخرته، وتركه وخرج من البيت، ووقتها جاءت والدته الحنونة، وفكت الرباط، ومن كتر ما زعل من والدُه هَجّ من البلدة، وراح ع حلب، وصار يشتغل عند مصلح كهرباء في منطقة الراموسة، وتعلم التصليح، ولكن بعدما رجع ع الضيعة حَنّْ لشغلُه الأساسي في "شركة اللف والدوران والتسكع المتحدة"! ولما تزوج من السيدة المطلقة، وطلبت منه يطلع إلى العمل، تذكر المهنة اللي تعلمها، وهي مهنة التصليح والتمديدات الكهربائية.
قال أبو إبراهيم: بس لا تنسى أنه تركيب الغسالة بيحتاج لواحد خبير بتمديدات المياه.
قال أبو جهاد: صح، لاكن لما أنا سألت "أبو رشدي" عن الموضوع قال لي إنه هوي بيعرف بكل أنواع التمديدات، مياه، كهرباء، هاتف.. المهم، قلت له: تعال ركب لنا الغسالة. فجاب العدة تبعه وأجا لعندنا.
قال أبو رامي: أنا بعرف إنه المعلم "الأسطه" اللي بيعمرْ البيت لازم يكون عامل تأسيسات للغسالة من قَبْلْ، يعني إذا في تمديدات مسبقة بتكون مهمة أبو رشدي سهلة وروتينية.
قال أبو جهاد: أنا المنزل تبعي مبني من قبل ما يخترعوا الغسالات الأوتوماتيكية، وما فيه تأسيسات للغسالة، منشان هيك استغرق أبو رشدي في التمديد يومين، وما ترك حيط إلا وعمل فيه ثقب، وبعدما خلص التمديد إذا بتفوت ع المطبخ تبعنا بيوقفْ شَعْر راسَكْ من كتر ما بتشوف أسلاك وأشرطة نازلة من فوق أو رايحة بشكل أفقي، أو بالوَرْب. وقسماً بالله أنا خفت شي مرة يصير تماس كهربائي ويتفجر المطبخ وينشال من شروشه.
قال أبو رامي وهو يضحك: بالفعل قصص أبو رشدي بتضحّكْ.
قال أبو جهاد: على كل حال لسه ما وصلنا للنقطة الحساسة. يا سيدي، أختكم أم جهاد من فرحها عَ الغسالة من لما طلع أبو رشدي جابت كومة غسيل وحطتها في جوفها، وشَغَّلِتْها على برنامج "الملون"، مع أنه الغسيل أبيض! وحطت كمية من المسحوق، وسمت بسم الله الرحمن الرحيم وشغلتها. ولما بلشت الغسالة تشتغل، وتدور بالغسيل والرغوة تظهر وهيي عم تتغلغل بين القطع، انبسطت، وكانت بدها تزغرد، أنا قلت لها عيب يا مَرَا، لأيش الزغاريد؟ أشو الغسيل عرس؟ المهم تركتها وطلعت من البيت، ورحت عَ المقهى. ولو تعرفوا أيش صار معنا بهداك الوقت..
قال العم أبو محمد: كل شي حكيت لنا عنه، ولسه في شي صار معكم؟
قال أبو جهاد: وأنا قاعد في المقهى، وعم إلْعَبْ بالشدة، شفت إبني الزغير مراد راكض وعَمَّ يصيح: يا يابْ تعال شوف أيش صار بالغسالة.. فتركت المقهى وركدت باتجاه البيت، ولما وصلت لقيت الغسالة ماشية من المطبخ، وطالعة باتجاه أرض الديار، لحالها، من دون ما حدا يدفشها أو يسحبها.. وأنا من حلاوة الروح نطيت وقعدت فوقها منشان يصير عليها تقل وتْوَقّفْ، لكنها صار تمشي فيني متل تكسي الغرام، وصحت بأم الجود وقلت لها اسحبي فيش الكهربا بَرْكي يتوقف. سحبته، وبالفعل وقفت بعدما اصطدمنا أنا وهيي بالحائط!
قال كمال: شي عجيب. أيش هادا اللي صار؟
قال أبو جهاد: أنا اتصلت بالشركة اللي اشتريت منها الغسالة وحكيت لهم عن الشي اللي صار، فقال لي العامل تبع الشركة:
- واضح أن اللي ركب لك الغسالة واحد غبي. لازم يشيل أسياخ الحديد الخاصة بالتثبيت من فوق، لأنه إذا ما شالها بتصير الغسالة بتهتز وبتمشي في مرحلة التنشيف! وهادا اللي صار بالفعل.