يحشش ويعاشر أولاد الحرام
كان أبو عبوش إنساناً عاقلاً، طيباً، مسالماً.. موظفاً صغيراً في شركة الغزل والنسيج، ولأجل أن يذهب إلى عمله ويعود إلى بيته دون تأخير اشترى دراجة نارية "موتوسيكل"، وهو في الأصل لا يجيد ركوب الموتوسيكلات، وهذا ما أدى به إلى وقوع حادث مؤسف، إذ دخل بموتوسيكله في باب إحدى الدوائر الحكومية. وكان قد عاهد والدَه المحتضَر على أن يتجنب أمرين، الأول تعاطي الحشيش، والثاني معاشرة الأوباش الذين يكرهون الناس ويُلحقون بهم الأذى دون وازع من ضمير، وبالأخص ضباط الأمن ورجال السياسة البعثيين ومقطعو الدعاوى الذين يعيشون على هامش السلطات كلها، وقد لخصهم والدُه المرحوم بتسمية "أولاد الحرام"، وأوضح له أن المقصودين هم "أولاد الحرام بأفعالهم" وليس بأنسابهم.
ولكن، وبسبب التهمة الأمنية التي وجهت لأبي عبوش ومفادها أنه عضو في منظمة جهادية بدليل أنه اقتحم الدائرة الحكومية بموتوسيكله، سمع نصيحةَ السجين العتيق أبي دباح، ودخن سيجارة حشيش ثخينة بحضور كل المساجين في المهجع (القاووش) الذي سجن فيه بأمر من قاضي بداية الجزاء. وما مضى على تدخينه سيجارة الحشيش سوى ربع ساعة حتى جاء شرطيان وطلبا منه الذهاب برفقتهما لمراجعة مدير السجن. ذهب معهما وهو مطمئن إلى أنه إذا طبق نصائح أبي دباح فسيخرج من محنته بأقل ما يمكن من الخسائر.
في مكتب مدير السجن، التقى بدورية أمنية بادره رئيسُها بالسؤال عن الأسباب التي جعلته يقتحم باب المديرية الحكومية وهو ممتطٍ صهوة الموتوسيكل، فقال:
- والله يا معلم أنا كنت محشش، ومسطول، وماني شايف بعيوني، ومتلما بيقولوا بالمتل: دخلت بالحيط!
دهش عناصر الدورية، وقال رئيسهم: أنت كذاب. مكتوب في إضبارتك الأمنية أنك بتصوم وبتصلي وملتزم دينياً، و..
قال أبو عبوش: نعم. صحيح. أنا بمارس كل هاي الأشياء للتمويه. أنا بعيد عنكم يا شباب مدمن ع الحشيش، ووين ما رحت بحط سيكارات الحشيش تحت الجوارب. قبل شوي كنت عم أحشش في القاووش. اسأل المساجين إذا حبيت تتأكد.
ازدادت دهشة عناصر الدورية، وطلبوا من أبي عبوش أن يبقى هنا، وذهب أحدُهم إلى المهجع، وسأل المساجين عن الموضوع، فقالوا له:
- نعم، أبو عبوش يحشش، مع الأسف، نحن شفناه وهوي عم يحشش أكتر من مرة. وقال أبو دباح: أي والله يا إبن خالتي، ونحن منستر عليه لأنه المسكين مدمن ومبتلي. مريض حاشاكم.
قال العنصر: أبو عبوش من وين بيجيب الحشيش؟
قال أبو دباح: نحن ما منحشش والحمد لله، وما منعرف من وين بيجيب. بس أنا شفته عم يطلّع سيجارة الحشيش من الجورب.
أبلغ رئيس الدورية معلمه رئيس فرع الأمن بما توصل إليه بشأن أبي عبوش، وأدى ذلك إلى استبعاد فكرة أن يكون منتمياً إلى تنظيم جهادي، وأن يكون دخوله في باب المديرية عملية انتحارية.
وبقيت قضية دخول أبي عبوش في باب المديرية أمراً متعلقاً بمحكمة بداية الجزاء، وبما أن قاضي بداية الجزاء قد أمر بحبسه لمدة شهر، فقد اضطر لأن يبقى مع السجناء في القاووش إلى آخر مدة حكمه.
خلال هذه المدة القصيرة، تمكن أبو دباح من إقناع أبي عبوش بوجهة نظره. وهي أن الأعمال التي يمارسها الإنسان الطيب العاقل تجعله يعيش حياته كلها، ويموت، وهو فقير معدم، ومذلول لا يعرف كيف يدافع عن نفسه عندما يقع في ورطة، وأما الأعمال الحقيرة القذرة فهي الوحيدة التي تدر على مرتكبيها أموالاً طائلة.
وشرح أبو دباح وجهة نظره قائلاً: إنت هلق موظف في معمل الغزل، وبتقبض تلات آلاف ليرة في الشهر. بتحسن تتخيل وضعك بعد عشرين سنة كيف راح يصير؟ أنا بقول لك. إنته هلق وبعد عشرين سنة وتلاتين سنة راح تبقى مكانك راوح، بتقبض راتبك براس الشهر، وراتبك بيكفيك لمنتصف الشهر، وبعدها بتصير بتقترض وبتستلف، لآخر الشهر.. وإذا بيصير معك حادث طارئ متل حادث الموتوسيكل بتضرر بشي خمسين ألف ليرة، وبهالحالة بتنجبر إنك تبيع أثاث البيت لحتى تطلع من هالزنقة.
قال أبو عبوش: والله معك حق. بس أنا ما فهمت عليك. أشو لازم أعمل لحتى إطلع من هالوضع التعيس، أو متلما قلت إنته: الزنقة؟
قال أبو دباح: حط إيدك في إيدي، ومنشتغل سوا.
قال: أنت سجين، شلون بدك تشتغل؟
ضحك أبو دباح وقال: متلما عم نشتغل هلق. مندخل حشيش لهون ع السجن ومنبيعه. هلق إنته بعد شي أسبوعين بتخلص محكوميتك وبتطلع، وبتصير بقى بتشتري الحشيش من بره السجن، وبتدخله لهون، وأنا ببيع جوه، وكل مدة بتجي بتزورني، ومنتحاسب وكل واحد بياخد حصته وبيمشي.
قال أبو عبوش: وإذا السلطات الأمنية كشفوا قصتنا؟ ما بيحبسونا؟
ضحك أبو دباح وقال: بيحبسوك إنته، لأني أنا محبوس أصلاً. (وسكت قليلاً ثم اقترب من أبي عبوش وقال له): رجال السلطة اللي عندنا في البلد كلهم متلما قال والدك (أولاد حرام). ما بيحبسوا حدا غير الإنسان الفقير التعبان اللي ما معه مصاري يدفع لهم. أما إنته إذا اشتغلت معي بهاي المصلحة اللي بتدر دهب مستحيل حدا يحبسك. لإنك راح تدفع لكل واحد منهم اللي فيه النصيب. وبالأخير أنت بتكبر وبتصير عندك سيارات، وناس بيروحوا وبيجوا وبدهم رضاك، وبيصير عندك سكرتيرة، ومين بيعرف لوين بدك توصل.
قال أبو عبوش: فهمت عليك. يعني أنا هلق شربت سيجارة حشيش، وبدي أصير تاجر حشيش، وتصير علاقتي المباشرة مع رجال السلطة ومقطعين الدعاوي، يعني أولاد الحرام. (وضحك وقال): يعني الشغلتين اللي عاهدت أبي إني إبتعد عنهم بدي إشتغلهم وكأني عم جاكر والدي مجاكرة.
قال أبو دباح: المهم. أشو قررت؟
قال أبو عبوش: بعتذر منك. أنا ما بصلح لهاي الشغلة.