يا مخطوف.. أرسلني إلى السويد
الخطف الذي أقصده هنا هو الخطف الذي يحصل من قبل الجماعات المتشددة، وعلى رأسها "داعش" الإرهابي؛ لأن قوائم المطلوبين من قبل النظام مفضوحة غالباً ومسرّبة، ولكن المطلوبين من قبل "داعش" يبقون محطّ تكهّنات وتوقّعات.
في نهاية 2013، قُدّر لي أن أعيش تجربة جديدة، كانت خمسة أيام قضيتها في ضيافة "داعش" قبل أن تقوم فصائل من الجيش الحر بتحريري.
عند خروجي، راودتني تلك الأفكار عن تقاطر منظّمات المجتمع الدولي لمساعدتي نفسياً واجتماعياً وإنسانياً، وكوني المنشق أصلاً عن صفوف النظام رحت أحلم بعروض اللجوء التي ستنهال عليّ وأنا طريد "الدولتين"! وبالطائرة الخاصة التي ستنتظرني لأشرّفها بركوبي، وبجوائز الدفاع عن حقوق الإنسان التي ستتقاطر عليّ من دول لم أسمع بها مطلقاً، ومن منظمات وحده الله من يعرف قرعة أبيها!
لم يحدث شيء من ذلك طبعاً، وكان علي التشنطط في بلاد بني عثمان بحثاً عن عمل لم أجده! الغريب في الأمر هو ما بدأ يحدث بعد مدة قصيرة من تحريري، إذ بدأ بعض الأشخاص ممن لا تربطني بهم علاقة قوية يتقرّبون مني ويطلبون أن أروي لهم تفاصيل عملية الخطف بأدقّ جزئياتها.
ثم سرعان ما بدأ الأمر على الشكل الآتي:
(مرحباً محمد، أنا تقدّمت بطلب للجوء وذكرت أن حياتي في خطر وأني ملاحق من قبل "داعش"، وأنهم سألوك عنّي عندما كنت لديهم، إذا اتصلوا بك وسألوك لا تنهبل وتقول لهم لا أعرفه)!
أشهر قليلة وطار الرفيق المهدّد إلى دولة أوروبية، ولم يتصل بي أحد ليسأل عنه، فملفه - كما علمتُ لاحقاً - كان حافلاً بالشهود ممن قضوا فترات أطول في سجون "داعش"، كان أخونا في الله عدواً مؤرّقاً للبغدادي، حرمه لذّة النوم وهو يكافح خلف شاشة فيسبوك من العاصمة المجاورة!
بعد ذلك بأيام قليلة، اتصل بي صديق افتراضي آخر من السويد ليقول لي: (مرحباً محمد، أريد منك خدمة، أنا وصلت إلى السويد وأخبرت المحققة أن حياتي في خطر، وأني كنت مطلوباً من قبل "داعش"، لأني كنت أعمل معك، وأنهم سألوك عني عندما كنت لديهم. أريد منك أن ترسل لي روابط تؤكّد اعتقالك وتحريرك، كما أريد منك أن ترسل إليّ عبر DHL نسخاً ورقية من المقالات التي كتبتها لديكم، فقد أخبرني أصدقائي هنا أن الدليل المطبوع هو سيّد الأدلة وأقواها، لا تتكاسل كالعادة، أرسل الأعداد غداً صباحاً، لأني بذلك سأحصل على لجوء سياسي، وهذا أفضل وميزاته أكثر)!
وهكذا استمر الاستثمار بقضية اختطافي من قبل الأصدقاء والمحبين، وتكررت الحالات بكثرة، لتكون آخرها مع صديق لا علاقة له بعملي أو بالإعلام لا من قريب ولا من بعيد، إذ تذكّر الصديق أن ثمّة صورة تجمعه بي، فقال للمحقق في السويد: إن الدواعش شاهدوا الصورة في كومبيوتري المحمول وسألوني عن صاحبها!
وكالعادة طلب مني أن أرسل له مجموعة الروابط التي بتّ أحفظها احتياطاً في مجلد مستقل عن عملية الاختطاف والتحرير.
مؤخّراً، عادت الأحلام الشيطانية لتراودني مجدّداً، فكلّ هذا العدد من الأشخاص الذين وصلوا إلى السويد لأن حياتهم في خطر بعدما سألني الدواعش عنهم، لا بدّ أن يحرّك الحكومة والشعب السويدي ليبحثوا عني، وهم من مر بهم اسمي وشاهدوا صورتي في عدد غير قليل من ملفات طالبي اللجوء لديهم!
ولا بدّ أن الطائرة الخاصة ستقلع قريباً، وسيرجوني الأمين العام للأمم المتحدة لأقبل الركوب فيها بعدما شعر بالقلق على حياتي، بفضل أصدقائي وأحبتي الذين "يستفيدون من الميتة"، كما تقول العزيزة جدتي!