ولد فاسد يطلب خرجية من والده
في سهرة الإمتاع والمؤانسة؛ أخبرنا كمال أن لديه حكاية جديدة عن الفتى سلمون، والحكاية، برأيه، تمثل نقطة تحول جوهرية في حياة هذا البطل الكوميدي العجيب. وقال: إن سلمون، بعد موقعة نطح الثيران في المبقرة، بقي ملفوفاً بضمادات القطن والشاش والجبس حوالي شهر، تماثلَ بعدها للشفاء، وعاد لممارسة حياته التي تقوم على المشاكل وجلب المتاعب لنفسه ولوالده المسكين.
في طريق عودتهما من المستشفى، بعد تخلص سلمون من الضمادات، حاول إقناع والده بأن يسمح له بالعودة للعمل في المبقرة عند "أبو عمشو"، ولكن والده رفض بشدة، وقال له: اخرس. ما عاد بدنا بقر ومبقرة. ما شفت قعدتك بين البقر أيش عملت فيك؟ يعني لو التيران ناطحينك نطحتين تانيين كنا هلق واقفين ع المقبرة وعم نتلقى التعازي بحضرتك. إنته يا إبني يا سلمون بحاجة لجَوّ نضيف، جو بيخليك تقعد عاقل وتتحسن طباعك وأخلاقك.
سلمون: من وين هالجو ياب؟ بدك ياني إشتغل كاتب تحت إيد المحافظ؟ ولا دكتور معلق السماعة برقبته؟ ولا صيدلي وأبيع شراب سعلة وإبر بنسلين وتحاميل؟ أنا لولا سقطت في الصف التالت أربع مرات كنت هلق في الصف السابع.
تدخلت أم زاهر قائلة: صدقني يا أستاذ كمال، اللي قاله سلمون لأبوه منطقي، من وين بده يلاقي جو مريح ضمن إمكانياته التعبانة ومشاكله اليومية؟
أبو الجود: سبحان الله يا جماعة، لما مرتي كانت في المدرسة نجحت من الصف الأول للصف التاني للصف التالت بسهولة ويسر، متل الصلاة ع النبي، ولما وصلت للصف التالت عترست نفس العترسة تبع سلمون. بتعرفوا إنه مرتي كانت بنت زغيرة، وكبرت وصارت خَرْج زواج وهيي بعدها معترسة في الصف التالت؟ منشان هيك أبوها عمل اجتماع مغلق مع زوجته وحلف يمين بالطلاق إذا ما بتبطل هالبنت من المدرسة لحتى يروح ع المدرسة ويرتكب جريمة بحق المدير أبو فاروق.
لما سمع أبوي كلمة (ليرة) صفر صفرة طَيَّر فيها فراخ الحمام اللي كانت عم ترعى في أرض الديار، وأنا حسيت طبلة إدني راح تنخرق. وقال لي: ليرة؟ أي أشو أنا ابن الكيخيا؟ ولا ابن المدرّس؟ ولا من بيت صايم الدهر؟
أبو زاهر: واضح إنه أبو الجود عم يخلُط. أبو فاروق كان مدير ابتدائية خاصة بالبنين، وأم الجود كانت في المدرسة الابتدائية الخاصة بالبنات.
أبو الجود: أبوها لمرتي بيعرف إنه بنته في مدرسة البنات، بس هوي كان خجول كتير، وما بيستحسن يروح ع مدرسة البنات، فقال لحاله بقتل أبو فاروق وبخلص من شغلة العلم! الله يرحمه كتير كان بيكره العلم، وخاصة في الصف التالت. وكان يسأل: إنه ليش هالولاد ما بيسقطوا غير في الصف التالت؟
أبو جهاد (وهو يضحك): أبو الجود ما بيعرف ليش الناس بيسقطوا في الصف التالت، لأنه ترك المدرسة وهوي في الصف التاني.
أبو محمد: ما شا الله على أبو الجود ودراسته. هلق إذا منحكي على الخرجية اللي كان ياخدها من أبوه مننسى قصة سلمون من أساسها.
كمال: إذا كانت قصة الخرجية ظريفة فينا نأجل قصة سلمون لبعد العَشَا.
أبو محمد: على مسؤوليتي قصة كتير كويسة. تفضل أبو الجود.
قال أبو الجود: أنا هلق وصلت لآخر عمري، يعني بعد سنة تانية بصير في السبعين، ووالله طول هالعمر ما شفت أفقر من أبوي الله يرحمه. بس مو هون المشكلة. أبوي مشكلته إنه كان مقتنع بإنه هوي ابن عيلة عريقة، لما بيحب يتباهى كان يقول: نحن بيت عبد المجيد يا عمي، على سن الرمح. الله يرحمها أمي لما تسمع هاي الجملة كانت تشيل مَسَّاحة الأرض وتطلع من الغرفة. وأنا كنت زغير، ما بعرف ليش تشيل المساحة وتطلع، وكنت إلحقها ع الغرفة التانية، ألاقيها عم تمسح الأرض اللي مسحتها قبل شوي، وعم تحكي مع حالها، وبتقول: خرق راسنا بسن الرمح تبع بيت عبد المجيد. ولما تشوفني كانت تسألني: عطاك خرجية؟
أنا بقلا: لأ.
بوقتها كانت تضحك وتقول: صحيح بيت عبد المجيد مفلسين وما بيعطوا لولادهم خرجية، بس هني عيلة كويسة، على سن الرمح. ولاك ريته هالرمح يشقهم شَقّ!
وفي مرة من المرات، صارت نهفة غريبة. كانت أمي جاية من عند أهلها، وجايبة معها شي ربع كيلو رز، ونص كيلو سكر. راحت حلبت العنزة، وطبخت رز بحليب. وجابت صحنين واحد إلها وواحد لأبوي، وقعدوا ياكلوا. صار أبوي ياكل ويقول: ما أطيبه. الله يسلم إيديكي يا خدوج. وبهالوضع الرومانتيكي دخلت أنا وقلت له لأبوي: ياب، إنته من زمان ما عطيتني خرجية. في مجال تعطيني ليرة؟
لما سمع أبوي كلمة (ليرة) صفر صفرة طَيَّر فيها فراخ الحمام اللي كانت عم ترعى في أرض الديار، وأنا حسيت طبلة إدني راح تنخرق. وقال لي: ليرة؟ أي أشو أنا ابن الكيخيا؟ ولا ابن المدرّس؟ ولا من بيت صايم الدهر؟
ولما شاف وجهي عم يغبق، قال لي: وقف لا تروح. بدي أعطيك. ما بدي إكسر خاطرك.
أبو محمد: هون بيبلش الفلم. اسمعوا أيش صار.
أبو الجود: بالفعل صار فلم كويس. أبوي كان يلبس سروال أسود (شنتيان)، ولما تنخى وقرر يعطيني خرجية، مد إيده جوات جيب الشنتيان، وصار يبحبش، ويفتل ويبرم، وبعد شوي سمعنا شي وقع ع الأرض ورَنّ، وشفنا قطعة مصاري معدنية عم تدرج ع الأرض، وراحت صوب العتبة، وأبوي من حلاوة الروح ومن خوفه على هالقطعة المعدنية، قام بسرعة، وركض صوب العتبة، ومن عبطته ضرب برجله جنق الرز بحليب، والرز بحليب انكب على حضن أمي، وأمي مسكت توبها ورشقته، أجا على وجهي، وأنا بطلت أشوف، وصرت أمسح وجهي لحتى صار كله رز بحليب، وأبوي عم يصيح الفرنكين (عشر قروش) راحوا الفرنكين.. وشال الشحاطة وصار يضربني على (تبعيتي من ورا) ويقلي: كلها منك يا ابن الصرماية.. يعني ما بيصير بلا ما تاخد خرجية؟ يلعن أبو هالجيل الطالع اللي كل يوم والتاني بيجي وبيقول لأبوه (عطيني خرجية).. قظ القرد إن شالله!