وجه الشبه بين الصهاينة والأهبل سلمون
حكى لنا الأستاذ كمال، في سهرة الإمتاع والمؤانسة، حكاية أخرى من حكايات الفتى ذي الأطوار الغريبة سلمون. قال إن "أبو سلمون" كان يعرف أن ابنه (بَلْوة) من بلاوى الزمان، ولكن هذه البلوة كانت مقبولة، لأنها موزعة عليه وعلى زوجته بالتساوي، ولكن زوجته محظوظة، بدليل أنها ماتت فجأة، دون اعتلال، فاستقالت من هم سلمون، وبقي جاثماً على صدره كالجدار.
أبو المراديس: ذكرتني بقصيدة توفيق زَيّاد اللي بيخاطب فيها المحتلين الصهاينة وبيقول:
هنا على صدوركم باقون كالجدار
وفي حلوقكم كقطعة الزجاج، كالصبار
كمال: نعم، الحقيقة إنه هادا الكلام بينطبق على الصهاينة وعلى سلمون في نفس الوقت! لكن المصيبة إنه سلمون كان متصالح مع نفسه، ومؤمن بحقه في الحياة، ولما بتنطرح قضيتُه في أي مجلس بيشارك بالنقاش، وبيقترح ع الآخرين بعض الحلول، وكأنه طرف حيادي! وهادا الشي كان يغيظ والده بزيادة.. وللعلم، أبو سلمون لما بتنطرح سيرة سلمون قدامه بيصير بيحكي رشاً، وبيكرر كلمة من الجملة تلات مرات، وأول شي بيترحم على أم سلمون، وبيقول الله يرحمها نفدت بريشها نفدت نفدت نفدت، حطت راسها وماتت، مات ماتت ماتت، وأشو على بالها؟ بالها بالها، خلصت من سلمون، وبقيت أنا لحالي لحالي لحالي، وعلى قولة المتل (ما بقي في الميدان غير حديدان)، حديدان حديدان حديدان.
أبو سلمون: سلمون روح من وجهي أحسن ما إرتكب فيك جريمة. ولاك حيوان أبوها لأم حمودة ميت من عشر سنين، بقى شلون بدي أطلب إيد بنته منه؟
أم زاهر: يا أستاذ كمال، بحب أذكرك إنه نحن تابعنا حكاية سلمون من بدايتها لوقت ما انعرض ع اللجنة الـتأديبية، واللجنة قررت فصله من المدرسة لحين انتهاء العام الدراسي.. يا ريت لو تكمل لنا الحكاية من هالنقطة.
كمال: حاضر. لما المدرسة قررت فصل سلمون بناءً على اقتراح اللجنة الـتأديبية، صار عند أبوه لسلمون شي متل اللي بيسموه بعلم السياسة (الفراغ الدستوري)! لأنه سلمون، اعتباراً من هاي اللحظة، ما عاد محسوب تلميذ في المدرسة، ولا محسوب عاطل عن التعليم.. وما وجد أبو سلمون أمامه من حلول غير إنه جاب سجادة الصلاة، وصلى شي خمسين ركعة لوجه الله تعالى، وبعدما انتهى من الصلاة رفع إيديه للسما وصار يدعي ربه يلهمه على أحسن طريقة للتخلص من مشكلة سلمون، وبأقل الخسائر. وقبلما يهديه ربنا لحل شَرَّفْ لعنده سلمون وقال له: ياب. أشو قررت منشاني؟
هون انضربت خطة أبو سلمون، وغضب، وقال له: اسماع أشو بدي أقلك. لما بتدخل ع الزريبة، بتلاقي حيوان مربوط قدام المعلف على إيدك اليمين.. أشو هوي؟
سلمون: التور ياب. إنته رابط تور وعم تعلفه وتطعميه منشان يسمن وتبيعه للقصابين قبل العيد الكبير وتربح فيه مصاري.
أبو سلمون: عظيم. وأنا هلق مفكر إني إربطك جنب التور، وإعلفك وأسمنك، وأخليك عندي، لأني لو بدي أبيعك ما بتنباع. بتعرف لو كان في حدا مستعد يشتريك أنا أيش بعمل؟ بفرط من الضحك عليه. لأنه مجنون حاشاك. في حدا عاقل بيشيل الهَمّ عن قلب صاحبه؟ خيو من الأخير، إنته إبني، يعني مصيبتي، وأنا مجبور فيك.. خلص اقعود في البيت كول واشراب واندفس وما بدي منك شي.
سلمون: هاد أكبر غلط يا ياب. ما في شي أصعب عَ الرجل من إنه يقعد بلا شغل متل الربيطة. بالعكس، إذا بتشغّلني عند شي حدا بتستفيد كتير. أول شي بتخلص من شوفتي، وتاني شي إذا إنته تزوجت الست أم حمودة، بيفضى لك الجو. مو أحسن ما إبقى قاعد قدامك متل التور المربوط؟ على سيرة التور ياب، من شي خمسة أشهر إجا واحد من إدلب، اسمه "أبو عمشو"، اشترى أرضية هون في ضيعتنا، وعَمَّرْ زريبة كبيرة، وعملها مبقرة. و حط عالحيط إعلان، عم يقول فيه إنه بده عمال يشتغله عنده في المبقرة، وبيدفع للعامل خمسين ليرة كل أسبوع، والدفع يوم الخميس، أنا بشتغل عنده، وكل خميس بجيب أجرتي وبعطيك إياها، أنا ما بيلزمني مصاري لأني ما بشرب كحول ولا بدخن ولا بقعد في القهوة.. إنته خود الأجرة واصروف علي وعلى نفسك وعلى مرتك أم حمودة.
نفخ أبو سلمون نفخة بتكنس بيدر وقال لسلمون: لك إبني الله يرضى عليك ما عاد تجيب سيرة أم حمودة. أنا طلبت المَرَا على سنة الله ورسوله وهي بهدلتني وقلعتني. وخلصنا.
سلمون: هادا دلع نسوان ياب. أكيد هيي بتريدك وقلبها عم يقول (حُقْ بُقْ).. بكرة، بعدما أروح ع المبقرة لعند أبو عمشو، إنته سَخّن مَيْ في البرميل، وتحمم، وتعطر، والبس تياب العرس اللي لبستهن يوم تزوجت أمي، واشكُل في عقالك وردة، وروح تمشور قدام بيت أم حمودة. النسوان ياب بيحبوا هاي الحركات، ولما بتشوف إنها ابتسمت لك، وسكرت الباب، دق الحديد وهوي حامي، حط إيدك ع الجرس، ورن، وبس تطلع قول لها: ابعتي لي أبوكي.. ولما بيجي أبوها قله أنا طالب إيد بنتك أم حمودة ع سنة الله ورسوله.. وأنا يوم الخميس بقبض خميسيتي، وبشتري لك كرميلا وملبس، وإذا صار القبول، أمها لأم حمودة بتنبسط كتير، وبتفقع زلغوطة، وبيبلشوا النسوان يزلغطوا، وبيجي العم حَبَاشو على صوت الزلاغيط، وبيجيب معه الطبل، وبيبلشوا الرجال يتجمعوا، وبجي أنا كمان، ومننصب دبكة ع الباب، وأم حمودة بتدخل ع الحديقة، بتصير بتقطف فل، وبتزت الفل عليك، يعني كأنها عم تقلك إنته فلة يا أبو سلمون، وأنا بشكلك براسي..
نفض أبو سلمون رأسه، لأنه أثناء كلام سلمون كان يتخيل نفسه واقفاً أمام باب منزل أم حمودة، وكأنه عريس حقيقي، والزلاغيط تلعلع في الجو، والرجال يدبكون، ويقف أبو فليحان الهجي ويصيح:
الدار ما هي لنا الدار للي بناها، الدار لأبو سلمون اللي بسيفه حماها..
ويرفع أحد الرجال مسدسه للأعلى ويطلق النار.. وهنا يصحو أبو سلمون ويجد سلمون واقفاً أمامه ويسأله: أي ياب. أشو قلت؟
أبو سلمون: سلمون روح من وجهي أحسن ما إرتكب فيك جريمة. ولاك حيوان أبوها لأم حمودة ميت من عشر سنين، بقى شلون بدي أطلب إيد بنته منه؟
سلمون (بكل برود): مو شرط تطلب إيدها من أبوها. أي رجال بيطلع قدامك قله أنا بدي إتزوج أم حمودة. تزوجها بقى وخلصني. شايفني أنا فاضي إلك لخطبتك وزواجك؟ الله وكيلك براسي ألف شغلة!