هل يمكن أن نتعايش مجدّداً؟
تعليقاً على تصريحِ الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، بأنّ من المُمكن لقاء "السيد بشار الأسد"، وأنّه لا يوجد سبب يمنع من إقامةِ علاقاتٍ مع سورية (الأسد)، يمكن القول إنّ هذا التصريح ليس بجديد، فهو صدر عدّة مرّات عن الساسة الأتراك خلال السنوات القليلة الماضية، وهو تصريح لا يُقابل بالمثل من دمشق، أو على الأقل لا يجد ذات الصدى الدافئ، بل ويُواجه بالشروط وعدم الترحاب رغم الضغط والوساطة الروسية بين الطرفين.
الرئيس التركي لم يوضّح في خطابه الأخير، كيف انتفت أسباب القطيعة التي لم يعدْ هناك داع لاستمرارها، والتي على أساسها يريد طيّ صفحة الماضي واستئناف العلاقات والزيارات، وربّما العائلية التي شهدناها قبيل الثورة السورية، وذلك رغم الجمود الذي يسودُ الساحة السورية منذ سنوات، وحالة التكلّس في ممارساتِ النظام الوحشية، والتي لم يغيّر منها شيء نحو الأفضل، ولا حتى بالإفراج عن معتقلٍ سياسيٍ واحدٍ في بادرةِ حسن نيّة.
الرغبة التركية والسعي المحموم لمصالحةِ بشار الأسد، لا تأتي في سياقِ حملاتٍ انتخابية داخلية أو إرضاء لسخطِ الشارع التركي ضدّ اللجوء السوري، كما درجتْ عادة المراقبين في التحليل والتبرير، بل يبدو أنّها استراتيجية تركية وخطوة استباقية لمواجهةِ الانتخابات المحليّة المُزمع إجراؤها في شمال شرق سورية، والتي يتوجّس الأتراك منها، ويظنون معها أنّ المصالحة التركية مع بشار الأسد ستؤدي إلى توحيدِ الجهود العسكرية التركية والسورية، حكومة ومعارضة، لوأد الحلم الانفصالي في إقليم شمال شرق سورية، والذي يتصدره حزب العمال الكردستاني.
المُطّلع عن بعد على الوضع الإقليمي في الشرق الأوسط، والمشاهد لهذا السباق المحموم بين السياسيين الأتراك، معارضة وموالاة، على استرضاء بشار الأسد قد يظن للوهلة الأولى أنّ سورية الأسد هي بيضة قبان المنطقة، وأنّ ساكن القصر يأتي تعيينه من دمشق!
الأسباب التي دعت السوريين للثورة لم تزل قائمة، بل ازدادت وتفاقمت
"سورية مابعد الحرب" جملة باتت تتردّد عبر منابر الإعلام الرسمي لنظام الأسد، تزامنًا مع اشتداد وتيرة الحديث عن مصالحةٍ مرتقبةٍ بين دمشق وأنقرة، وكأن الثورة السورية انطلقت من تركيا، وبالمصالحة معها ستنتهي المشاكل ويعود الشعب إلى ربقةِ نظام الأسد.
في شمال غرب سورية، يتكتّل نحو خمسة ملايين إنسان، معظمهم من المعارضين أو الثائرين في وجه دكتاتورية نظام الأسد، والذين آثروا العيش تحت سقفٍ قماشيٍ، وتركوا بيوتهم وأرزاقهم في المحافظاتِ السورية هرباً من جحيم الأسد الذي، لربّما، كان قبل نزوحهم أقلّ دموية منه اليوم، خاصة بعد أن باتت الكلمة العليا في سورية للمليشيات الطائفية.
أخيرًا، إنّ حل المشكلة السورية بقدر ما يسوده من تعقيد وضبابية، يبدو لنا سهلا عندما يحضر الحل السياسي الحقيقي لا التغييرات الشكلية وتبديل المناصب وبقاء بشار الأسد إلى الأبد. فالأسباب التي دعتْ السوريين للثورة لم تزل قائمة، بل ازدادت وتفاقمت بعد أن أصبحت سورية أكبر مصنع للمخدرات الصناعية في العالم، ومصير الشعب السوري، ليس محلًا للتفاهمات ومصالح الدول.