02 سبتمبر 2024
هزليات السياسة الأسدية (28)
"أبو الجود" راعي النحس والموتوسيكل
يستطيع أبو الجود أن يتحول إلى نجم جلسات الإمتاع والمؤانسة حينما يريد ذلك. إنه يتمتع بمقدرة عجيبة على رواية الحكايات بأسلوب مشوق. أغلب الظن أنه يضيف للحكاية الواقعية الكثير من عنديّاته وبنات أفكاره، ويعتني كثيراً بالقفلة، بحيث تأتي مباغتة وصادمة وبارعة، بدا لنا ذلك جلياً حينما جعل حكايته مع مدير منطقة إدلب السورية تنتهي بوفاة مدير المنطقة، دون أن تكون هناك أسباب مرضية، ففي ذلك اليوم أكد الذين يعرفون مدير المنطقة كلهم أنه صاغ سليم، لا يعاني من أي مرض، وإذا ربطتَه بشجرة توت وأجفلتَه يستطيع أن يقتلعها ويهرب بها.
كانت المناسبة التي جعلت أبا الجود يتذكر هاتيك الحكاية أنه أراد أن يحكي لنا عن زيارة الرفيق "أبو عزام"، قائد شرطة إدلب، لشعبة الحزب حينما كان أبو الجود يعمل في الشعبة بصفة آذن وشغيل في البوفيه. وهو اعتبرَ أن هذه الزيارة تدل على زوال نحسه، فقد كان يريد أن يلتقي قائد الشرطة، ولم يتطلب الأمر منه أن يذهب ويحاول مقابلته، فالرجل جاء إلى الشعبة من تلقاء نفسه، على طريقة ريا وسكينة اللتين كانتا تغنيان حينما تقع (المرأة/ الضحية) في شِرَاكهما (يا أختي عليها، يا أختي عليها، جِتْ رجليها جت رجليها).
قال أبو محمد: ها هاه. هلق فهمنا. يعني أبو الجودْ كانْ إلُه مصلحة مع قائد الشرطة، والمقادير جابت قائد الشرطة لعنده. صح؟
قال أبو الجود وهو يضحك: طبعاً صح، لكان قائد الشرطة هوي اللي إلو مصلحة عندي؟! المهم يا جماعة، لما أبو عزام شافني عم نافقْ لُه، وعم مَسّحْ لُه جوخ، صار يضحك، وقال لأمين الشعبة: إشْبُه الآذنْ تبعك؟ ليشْ هيك ملزّقْ علي متل لَبْخة بزر الكتّان؟ قمت أنا قلت له: بصراحة يا أستاذ، قصدي يا سيدي المقدم.. عفواً، جنابك رائد ولا مقدم؟ صاح فيني أمين الشعبة قال لي: ولاك أبو الجود اسكوت بقى، هلكته لسيادة العميد أبو عزام. أنا قلت له: يامو ع اللمبة. كمان عميد؟! وركضت وصرت إنفض له الجاكيت بإيدي. وصرت إمسح بإيدي على كتافه، محل ما بيعلّقْ الرتب، وقلت له: اللي ما بيعرفك يا أستاذ أبو عزام بيجهلك، بعدين إنته لابس مدني، يعني أنا ضَرَّابْ مَنْدَلْ لحتى أعرف إنه رتبتك عميد؟
ابتسم وقال لي: أخي مو بس عميد، عميد ركن كمان.. ممكن بقى أعرف أيش بتريد مني؟ قلت له: الله وكيلك يا سيادة العميد أنا صار معي "فتاقة" ونزلت لي "قيلة" من كتر ما بروح وبرجع على ضيعتنا في سيارات الأجرة، لأنه الأستاذ، قصدي الرفيق أمين الشعبة، ما بيغيب عن الشعبة، كل يوم بيجي، وأنا لازم إجي حتى أقدم لضيوفه شاي وقهوة وزهورات ومليسة.. المهم أنا كلما بطلع عَ سيارة الأجرة بيجي المعاون وبيفتح لي إيده متل الجرن تبع حمام المحمودية وبيقلي: اسمح لنا بالأجرة يا أخ. كلهم بيفكروا إني أنا معي مصاري وبدفع أجارات. الله وكيلك يا عميد ركن أبو عزام، كل يوم بتوصل القصة بيني وبين مرتي للضرب لبينما تعطيني إجرة سيارة روحة رجعة. وبتبهدلني وبتقلي: كل الناس في عندُن يوم عطلة أسبوعية إلا إنته.
قال لي أمين الشعبة: ولك أبو الجود من دون يمين صرعت راسنا، روح بالأول جبلنا قهوة وبعدها بتحكي لسيادة العميد عن وجعك. فقلت له ع راسي. واقتربت منه ووشوشته، وقلت له: لا تخلي الرفيق أبو عزام يروح قبلما إرجع. إذا قال بدي روح إنته اشغله بشي قصة أو سيرة.
قال أبو جهاد: هادا قائد شرطة هاد؟ بشرفي أنا لو كنت محله ما بطلع من الشعبة لحتى أجيب دورية تاخدك موجوداً وتحطك في الدولاب.
قال أبو الجود: المهم، بعدما جبت لهم القهوة، ومسحت له مرة تانية على جاكيته، وع كتافه محل الرتب، قلت له: إلك ولا للديب أستاذ؟ قصدي رفيق، عميد، ركن؟
قال لي: شو بدك؟
قلت له: بدي منك تعطيني موتوسيكل مْصَادَرْ.
فضحك وقال لي: تكرم عينك. هاي شغلة بسيطة.
وطالَعْ من جيبه ورقة مطبوعة وموقعة. قال لي: عبي معلومات هويتك هون، وروح بكرة ع كاراج الحجز واستلم موتوسيكل مصادر.
تساءل أبو ماهر: ببلاش؟
قال أبو الجود: ببلاش لكان أنا معي مصاري إدفع؟ القصة وما فيها يا شباب إنه الموتوسيكلات في سورية كانت نوعين، نوع مرخص، يعني إنته بتروح بتشتري الموتوسيكل بسعر مرتفع، وبتاخده ع مديرية النقل وبتعمل معاملة طويلة عريضة، وبتدفع مصاري حتى يعطوك لوحات عليهن نمرة.. والنوع التاني تهريب. الشرطة بيشوفوا الموتوسيكلات النظامية اللي عليها نمرة ما بيقربوا عليها، ونفس الشي بالنسبة للموتوسيكلات المهربة، بتلاقيها طول النهار ماشية في الشوارع، ولا حدا منهم بيقرب عليها.. وفجأة ما بتشوف غير بلشوا يعملوا كمائن وبيصادروها وبياخدوها على كاراج الحجز. وبعد المصادرة بتتغير الأحوال في المدينة. اللي عنده موتوسيكل مهرب، بيخبيه، أو بيطَلّعُه من المدينة باتجاه الريف، لأنه في الريف ما في شرطة، وممكن يبيعه ويخسر فيه شوي، وبيقول لحاله: إذا بعته بخسارة أحسن ما يصادروه ويروح ببلاش. وفي ناس إلهم واسطات في الحزب أو المخابرات أو عند قائد الشرطة هدول بيسترجعوا الموتوسيكلات تبعهم.. أما بقية الموتوسيكلات فبيحسن قائد الشرطة يتبرع فيهن لبعض الناس المقربين منه. أنا لما استفردت بقائد الشرطة في الشعبة لزقت عليه متلما حكيت لكم، وأخدت منه ورقة ورحت ع كاراج الحجز.
قال أبو جهاد: وعطوك موتوسيكل، وانحلت القصة.
قال أبو الجود: لا والله ما انحلت. لإنه رئيس كاراج الحجز لما عطيتُه الورقة تبع قائد الشرطة قال لي (صح النوم).. وسحبني من إيدي ع المكان اللي بيحطوا فيه الموتوسيكلات المصادرة وقال لي: شوف بعينك ما بقي عندي ولا موتوسيكل. لإنه حضرته قائد الشرطة عاطي استثناءات زيادة عن عدد الموتوسيكلات الموجودة. ولما شافني عم ببلع ريقي من القهر قال لي: خلي هاي الورقة معك، وقله لقائد الشرطة يصادر موتوسيكل خاص إلك. فأنا ضحكت كمان وقلت له: ما فيني روح قابله، بخاف يموت هوي أو موت أنا!
(للقصة تتمة)
يستطيع أبو الجود أن يتحول إلى نجم جلسات الإمتاع والمؤانسة حينما يريد ذلك. إنه يتمتع بمقدرة عجيبة على رواية الحكايات بأسلوب مشوق. أغلب الظن أنه يضيف للحكاية الواقعية الكثير من عنديّاته وبنات أفكاره، ويعتني كثيراً بالقفلة، بحيث تأتي مباغتة وصادمة وبارعة، بدا لنا ذلك جلياً حينما جعل حكايته مع مدير منطقة إدلب السورية تنتهي بوفاة مدير المنطقة، دون أن تكون هناك أسباب مرضية، ففي ذلك اليوم أكد الذين يعرفون مدير المنطقة كلهم أنه صاغ سليم، لا يعاني من أي مرض، وإذا ربطتَه بشجرة توت وأجفلتَه يستطيع أن يقتلعها ويهرب بها.
كانت المناسبة التي جعلت أبا الجود يتذكر هاتيك الحكاية أنه أراد أن يحكي لنا عن زيارة الرفيق "أبو عزام"، قائد شرطة إدلب، لشعبة الحزب حينما كان أبو الجود يعمل في الشعبة بصفة آذن وشغيل في البوفيه. وهو اعتبرَ أن هذه الزيارة تدل على زوال نحسه، فقد كان يريد أن يلتقي قائد الشرطة، ولم يتطلب الأمر منه أن يذهب ويحاول مقابلته، فالرجل جاء إلى الشعبة من تلقاء نفسه، على طريقة ريا وسكينة اللتين كانتا تغنيان حينما تقع (المرأة/ الضحية) في شِرَاكهما (يا أختي عليها، يا أختي عليها، جِتْ رجليها جت رجليها).
قال أبو محمد: ها هاه. هلق فهمنا. يعني أبو الجودْ كانْ إلُه مصلحة مع قائد الشرطة، والمقادير جابت قائد الشرطة لعنده. صح؟
قال أبو الجود وهو يضحك: طبعاً صح، لكان قائد الشرطة هوي اللي إلو مصلحة عندي؟! المهم يا جماعة، لما أبو عزام شافني عم نافقْ لُه، وعم مَسّحْ لُه جوخ، صار يضحك، وقال لأمين الشعبة: إشْبُه الآذنْ تبعك؟ ليشْ هيك ملزّقْ علي متل لَبْخة بزر الكتّان؟ قمت أنا قلت له: بصراحة يا أستاذ، قصدي يا سيدي المقدم.. عفواً، جنابك رائد ولا مقدم؟ صاح فيني أمين الشعبة قال لي: ولاك أبو الجود اسكوت بقى، هلكته لسيادة العميد أبو عزام. أنا قلت له: يامو ع اللمبة. كمان عميد؟! وركضت وصرت إنفض له الجاكيت بإيدي. وصرت إمسح بإيدي على كتافه، محل ما بيعلّقْ الرتب، وقلت له: اللي ما بيعرفك يا أستاذ أبو عزام بيجهلك، بعدين إنته لابس مدني، يعني أنا ضَرَّابْ مَنْدَلْ لحتى أعرف إنه رتبتك عميد؟
ابتسم وقال لي: أخي مو بس عميد، عميد ركن كمان.. ممكن بقى أعرف أيش بتريد مني؟ قلت له: الله وكيلك يا سيادة العميد أنا صار معي "فتاقة" ونزلت لي "قيلة" من كتر ما بروح وبرجع على ضيعتنا في سيارات الأجرة، لأنه الأستاذ، قصدي الرفيق أمين الشعبة، ما بيغيب عن الشعبة، كل يوم بيجي، وأنا لازم إجي حتى أقدم لضيوفه شاي وقهوة وزهورات ومليسة.. المهم أنا كلما بطلع عَ سيارة الأجرة بيجي المعاون وبيفتح لي إيده متل الجرن تبع حمام المحمودية وبيقلي: اسمح لنا بالأجرة يا أخ. كلهم بيفكروا إني أنا معي مصاري وبدفع أجارات. الله وكيلك يا عميد ركن أبو عزام، كل يوم بتوصل القصة بيني وبين مرتي للضرب لبينما تعطيني إجرة سيارة روحة رجعة. وبتبهدلني وبتقلي: كل الناس في عندُن يوم عطلة أسبوعية إلا إنته.
قال لي أمين الشعبة: ولك أبو الجود من دون يمين صرعت راسنا، روح بالأول جبلنا قهوة وبعدها بتحكي لسيادة العميد عن وجعك. فقلت له ع راسي. واقتربت منه ووشوشته، وقلت له: لا تخلي الرفيق أبو عزام يروح قبلما إرجع. إذا قال بدي روح إنته اشغله بشي قصة أو سيرة.
قال أبو جهاد: هادا قائد شرطة هاد؟ بشرفي أنا لو كنت محله ما بطلع من الشعبة لحتى أجيب دورية تاخدك موجوداً وتحطك في الدولاب.
قال أبو الجود: المهم، بعدما جبت لهم القهوة، ومسحت له مرة تانية على جاكيته، وع كتافه محل الرتب، قلت له: إلك ولا للديب أستاذ؟ قصدي رفيق، عميد، ركن؟
قال لي: شو بدك؟
قلت له: بدي منك تعطيني موتوسيكل مْصَادَرْ.
فضحك وقال لي: تكرم عينك. هاي شغلة بسيطة.
وطالَعْ من جيبه ورقة مطبوعة وموقعة. قال لي: عبي معلومات هويتك هون، وروح بكرة ع كاراج الحجز واستلم موتوسيكل مصادر.
تساءل أبو ماهر: ببلاش؟
قال أبو الجود: ببلاش لكان أنا معي مصاري إدفع؟ القصة وما فيها يا شباب إنه الموتوسيكلات في سورية كانت نوعين، نوع مرخص، يعني إنته بتروح بتشتري الموتوسيكل بسعر مرتفع، وبتاخده ع مديرية النقل وبتعمل معاملة طويلة عريضة، وبتدفع مصاري حتى يعطوك لوحات عليهن نمرة.. والنوع التاني تهريب. الشرطة بيشوفوا الموتوسيكلات النظامية اللي عليها نمرة ما بيقربوا عليها، ونفس الشي بالنسبة للموتوسيكلات المهربة، بتلاقيها طول النهار ماشية في الشوارع، ولا حدا منهم بيقرب عليها.. وفجأة ما بتشوف غير بلشوا يعملوا كمائن وبيصادروها وبياخدوها على كاراج الحجز. وبعد المصادرة بتتغير الأحوال في المدينة. اللي عنده موتوسيكل مهرب، بيخبيه، أو بيطَلّعُه من المدينة باتجاه الريف، لأنه في الريف ما في شرطة، وممكن يبيعه ويخسر فيه شوي، وبيقول لحاله: إذا بعته بخسارة أحسن ما يصادروه ويروح ببلاش. وفي ناس إلهم واسطات في الحزب أو المخابرات أو عند قائد الشرطة هدول بيسترجعوا الموتوسيكلات تبعهم.. أما بقية الموتوسيكلات فبيحسن قائد الشرطة يتبرع فيهن لبعض الناس المقربين منه. أنا لما استفردت بقائد الشرطة في الشعبة لزقت عليه متلما حكيت لكم، وأخدت منه ورقة ورحت ع كاراج الحجز.
قال أبو جهاد: وعطوك موتوسيكل، وانحلت القصة.
قال أبو الجود: لا والله ما انحلت. لإنه رئيس كاراج الحجز لما عطيتُه الورقة تبع قائد الشرطة قال لي (صح النوم).. وسحبني من إيدي ع المكان اللي بيحطوا فيه الموتوسيكلات المصادرة وقال لي: شوف بعينك ما بقي عندي ولا موتوسيكل. لإنه حضرته قائد الشرطة عاطي استثناءات زيادة عن عدد الموتوسيكلات الموجودة. ولما شافني عم ببلع ريقي من القهر قال لي: خلي هاي الورقة معك، وقله لقائد الشرطة يصادر موتوسيكل خاص إلك. فأنا ضحكت كمان وقلت له: ما فيني روح قابله، بخاف يموت هوي أو موت أنا!
(للقصة تتمة)