هزليات السياسة الأسدية (23)

20 يناير 2020
+ الخط -
حمار معبى في بنطلون
 
بلغ العم أبو محمد، خلال سهرة الإمتاع والمؤانسة، قمةَ الاندهاش. كان الأستاذ كمال يحكي لنا عن مرحلة متقدمة من حياة بطل سيرتنا نديم شفلح، ووصل بحديثه إلى القول إن شريكته بالمطعم السيدة مايا عرضت عليه فكرة غريبة، وهي أن يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب!

قال أبو محمد: بدك الصراحة يا أستاذ كمال؟ أنا بلشت أشك بصحة كلامك. معقولة كل هالقد الست مايا بتريد مصلحتُه لنديم شفلح؟

قال كمال: هيي بتريدْ مصلحتها الشخصية، ومصلحتها بلشتْ تتحقق بالشراكة مع نديم شفلح، وهيي ما كانت تطرح عليه أفكار إلا إذا كانت بتعرف إنها راح تستفيد منها. وأنا بشوف إنه هيي كانت معجبة بنديم شفلح إعجاب مزدوج، فمن جهة هوي رجل محظوظ، وكل شي بيعمله، حتى لما بيكون غَلَطْ، بيجيب مصاري، ومن جهة تانية هيي أصبحت مولعة بغباؤه واستعدادُه لتلقي أفكارها وتطبيقها من دون مناقشة. يعني أيش بدها أحسن من هيك؟

قال أبو إبراهيم: أستاذ كمال استنى بس دقيقة، إنته برأيك إنه شفلح بيصلح لعضوية البرلمان؟


قال كمال: البرلمان في سورية كان موجود في الخمسينات، وفي أيام الانفصال سموه المجلس النيابي، وبقي هيك لسنة 1970 لما حافظ الأسد استولى على السلطة، وأطلق عليه اسم مجلس الشعب، وكان هالشي مقصود من قبل حافظ، لحتى يصير معه حجة بإدخال ناس ما بيمتلكوا أي علم أو ثقافة أو خبرة سياسية أو قانونية (تشريعية) للمجلس، على أساس إنه هادا تمثيل للعمال والفلاحين وصغار الكسبة. طبعاً مع الاحترام الشديد لهاي الفئات، إنما اعتراضنا هوي إنه مجلس الشعب لازم يكون مكان لمناقشة سياسات الدولة ومراقبة السلطة التنفيذية، ووضع القوانين والأنظمة النافعة للناس، وما بيتحمل وجود أناس من غير المختصين تحت أي ذريعة.. المهم إنه حافظ الأسد صار يشتغل على استقطاب هدول الأعضاء لصفه، وهاد أمر سهل لما بينوجد الترهيب والإغراء، ومع الزمن تحول مجلس الشعب من كيان تشريعي إلى مجلس تصفيق ودبكة وأناشيد وعديات وزجل، وصارت كل قراراته تؤخذ بالإجماع!

قال أبو زاهر: برأيي إنه نديم شفلح كتير مناسب لمجلس الشعب، لأنه نظام حافظ الأسد مولع بالأغبياء، وحتى إذا ترشح عامل ذكي أو فلاح ذكي لعضوية المجلس أكيد بيرفضوه، وبيمنعوه من الوصول للعضوية.

قال أبو ماهر: رجاء لا تخلونا ندخل بمتاهات المناقشة والتنظير. الأستاذ كمال حكى لنا إنه الست مايا طلبت من شفلح يجهز حاله لانتخابات مجلس الشعب اللي راح تجي بعد سنة ونص، وقالت له: لازم يكون معك كم مليون ليرة مو لازمين لك لإنه الانتخابات بتحتاج لفَتّْ عملة، أكل وشرب وعزايم وهدايا ورشاوي للمسؤولين. وخبرنا إنه مايا كان عندها بعض الأفكار الخاصة بجمع الملايين. أنا بدي إسأل: شو هيي هالأفكار؟

قال كمال: مايا عرضت على نديم شفلح فكرة بناء تيراس في حديقة المطعم، وتقسيمه لغرف صغيرة، وتزويده بما يلزم من متطلبات السرور الخاصة بالزبائن. إنتوا بتعرفوا إنه المسؤول في بلادنا بالأصل مو ابن طبقة سياسية عريقة، إنما هوي (في الأغلب) رجل فقير، دارس بمدارس حكومية، وطالعة روحُه لحين حصوله على شهادة جامعية، وبيكون أهله مزوجينه بنت عمه، لسبب بسيط إنه عمه بيعرف البير والغطا، ومو معقول يطلب من الأب مهر غالي، يا إما بيكون متزوج بنت من الضيعة بنفس مواصفات بنت العم، ولما بيصير بعثي، وبيصير مسؤول، بيبلش يتعرف على عالم اللهو (اللي كان المذيع علاء الدين الأيوبي يسميه: الملذات الشخصية)، وبيصير عنده صديقة بيطلع معها مشاوير، وبما أنه زوجته وأولاده محتلين البيت فأكيد بيحتاج لمكان آمن خارج البيت لتحقيق بعض (الملذات الشخصية)! قالت مايا لنديم إنه نحن منأجّرْ الغرف اللي بدنا نبنيها في "التيراس" لمدة ساعتين، أو ليلة، أو يومين، أو تلاتة، أو أسبوع، بحسب طلب الزبون، ومنفرز بعض عمال المطعم لخدمة هاي الغرف وحمايتها.. وطبعاً طلبات الزبون خلال إقامته بالغرفة راح تكون من عندنا، أو عن طريقنا، يعني نحن منشتغل متل المنشار، في الروحة منقصّ وفي الرجعة منقصّ.

قال أبو جهاد: يا ريت العم أبو محمد يلغي إعجابه بالست مايا. أشو هاي يا زلمة؟ أنا شايف إنه عندها خبرة واسعة بقضايا الانحراف!

قال كمال: أنا ما بعرف عنها شي شخصي، ممكن تكون هيي شخصياً منحرفة أو لأ، بس برأيي أنها ذات خبرة كبيرة بتركيبة الطبقة المخملية الخاصة بالمسؤولين السوريين، وخبرتها بتتركز على طرائق جمع المال بشكل أساسي.

قال أبو إبراهيم: طيب، أشو صار بعدين؟

قال كمال: نديم شفلح كان يشتغل متل الرجل الآلي. قال لمايا إنه هوي موافق، ومستعد يجيب المهندس والعمال ويبنوا الغرف في التيراس خلال أسبوع.. بس مين اللي بده يخبر المسؤولين اللي معهم مصاري إنه صار في عندنا مكان (تأمين جو رومانسي) في تيراس المطعم؟
ضحكت مايا ضحكة مشفترة وقالت له: الله يعينك على بقية حياتك يا شريكي الغالي. لا تاكل هم، أنا بسرّب لهم الخبر.

وبالفعل، تم العمل بهالمشروع بنجاح، وصار التيراس يستقبل الزباين بسياراتهم اللي زجاجها أسود (فيميه)، وبلشت المصاري تنهمر على خزينة المطعم. وبعد فترة اشتكى بعض الزبائن لمايا من كون الـ(Park) مكشوف، وطلبوا يكون البارك الخاص بسياراتهم مخفي. وعلى الفور وجهت أمر لشريكها شفلح بإنه يشتري قطعة الأرض المجاورة للمطعم، ويبني فيها (Park) خاص بسيارات المسؤولين اللي بيحبوا السترة، ومستعدين يدفعوا أجرة البارك المخفي بسعر خاص.. والشي الطبيعي إني يصير دخل المطعم بالملايين بعدما كان بمئات الألوف، وما كان صعب على نديم شفلح إنه يحتفظ بتلاتين مليون ليرة على طرف منشان تكلفة حملته الانتخابية، وكانت الحملة بإشراف الست مايا طبعاً، فلو كان بإشرافه كان ممكن يصرف الملايين كلها، ويرسب، لأنه شفلح متلما كان يوصفه المرحوم أبوه (حمار معبى في بنطلون).

(للقصة بقية)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...