نضحك على حكم المباراة

01 مايو 2017
+ الخط -
تعلمتُ من الأديب السوري الكبير الراحل حسيب كيالي فكرة أراها، الآن، على قدر كبير من الأهمية، وهي أن الكاتب، إذا أراد أن يكون ذا قيمة، لا يجوز له أن يجلس في الصباح أو عند الغروب، على الشرفة (البلكونة)، ويراقب الناس بعين محايدة، ثم يستل من جيبه القلم ويكتب: (بينما أنا جالس على شرفة منزلي، أحتسي قهوتي، إذ مر من أمامي رجل مسكين، هيئته رثة، وعليه أطمارٌ بالية...)، ثم يبدأ بصف الجمل الإنشائية وراء بعضها البعض... فهذا الكلام، برأي حسيب، هو العلاك الصدئ بحد ذاته.

أصبحتُ، بناء على هذه الفكرة، ومنذ بداياتي الأولى، واحداً من الأشخاص (المتقرقعين)، (المشقيِّين) الذين يخوضون في الزحام، ويتواجدون حيث يتواجد الشعب، وكنت والله أسمع أثناء ذلك نبض الناس وصراخهم وآلامهم، وصخب أفراحهم وآهاتهم وضحكاتهم... وما أزال.


مثلاً، حينما كنت أشاهد مباراة لكرة القدم، في الملعب البلدي بإدلب الذي أطلق عليه النظام في سنة 1994 "ملعب الشهيد باسل الأسد"، كنت أجلس على المدرج الشرقي، الأبعد عن منصة المسؤولين والصحفيين... وقد حضرت أكثر من مشاجرة حية، كانت تحتدم بين المتفرجين لأسباب غريبة، منها أن يسب أحدُ المتفرجين أخت أحد اللاعبين، مع أن أخت اللاعب غير موجودة في الملعب ولا علاقة لها بالـ(فاول) الذي ارتكبه أخوها، فينبري له واحد تربطه صلةُ قرابة باللاعب الذي سُبَّتْ أختُه، فيتشاجران، ثم تتسع رقعة الشجار، ونهبُّ نحن المُصلحين، الحريصين على السلم الأهلي، لحل الخلاف ودياً... حتى إن أحد الحاضرين التفت نحونا، ذات مرة، وقال:

- أخي، هنا، لازم يكون في روح رياضية، إذا سمعت مسبتك بأذنك لازم تسكت!

وكنا، نحن أفراد الجمهور الكادح نسب خلال المباراة على الحكم، وعلى أخته طبعاً، وعلى أهالي المدينة التي جاء منها جميعهم، دون استثناء، ونسب على حكام التماس وشقيقاتهم طبعاً، ونسب على المحافظات التي جاؤوا منها، وعلى أفراد الفريق المنافس وشقيقاتهم، فإذا احمرتْ عينُ حكم الساحة منا، وتقدم نحونا ماداً يده إلى جيبه الخلفي، نوقن أنه سيشهر علينا البطاقة الصفراء أو الحمراء، فنصيح بصوت واحد:

بالروح بالدم نفديك يا بشار...

فيتراجع غصباً عنه... وإذا همس أحدُنا للآخرين: ليش عيشتوا هالحقير بشار الأسد؟ فيرد عليه أكثر من واحد وهم يعضعضون على شفاههم:

- نحن نضحك على الحكم ولك خاي!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...