نشرة الأخبار تفضح كبرتنا

13 اغسطس 2017
+ الخط -



في الأيام القديمة، كان الرجال يغالبون أوقات الفراغ والملل بصناعة المقالب التي لا تنتهي بحدوثها على أرض الواقع، بل إنها تدخل في الذاكرة الجمعية للمجتمع، وتتحول إلى مادة للتسلي والتندر في القادم من الأيام والسنين. 

مثلاً: حكى لنا الطيبون أن النجار أبو نديم اتفق مع أبو قدور الذي كان يجيد التقنيات الخاصة بجهاز الراديو على خطة محكمة للإيقاع بالخياط النزق أبو برهان في شر أعماله. لذلك فقد ذهبوا إلى دكانه بعدما تشاجر معهم وقال له 

أبو نديم:

- يا أبو برهان، إن الأزمة التي وقعت لا يمكن أن تحل بالمعاتبات والقال والقلنا والحكي الفارغ، اليوم أنت والشباب مدعوون عندي في الدكان، وعلى حسابي الشخصي، لتناول عشاء شقف وكباب مع سلطة وحمصانة وبيواظ من التي تحبها قلوبكم.. ولكيلا يحصل أثناء العشاء أي نوع من الاستفزاز و"النكرزة" أرجو من الاخ أبو قدور أن يرينا عرض كتفيه ويأخذ المسألة بروح رياضية ودون زعل.

قال أبو قدور: وأنا موافق.

قال أبو برهان: لا حول ولا قوة إلا بالله. الله يلعن الشيطان. أخي لا مانع أن يأتي معنا أبو قدور.

قال أبو قدور: لا تواخذني، أنا اليوم بدي أسهر مع المدام.

كاد أبو برهان أن يضحك غصباً عنه لاستخدام أبي قدور كلمة (المدام)، ولكنه تمالك نفسه. وانفضت الجلسة على خير. 

وفي المساء صعد أبو قدور إلى سقيفة دكان أبي نديم، وأقام عدة وصلات سلكية بين الميكروفون الذي يتحدث من خلاله وجهاز الراديو الموجود في الدكان، وأجرى تجربة ناجحة على عملية الإذاعة بصوته على أن يصدر الصوت من جهاز الراديو وكأنه بث حي قادم من العاصمة. وحينما أصبح المدعوون كلهم في الدكان، وبعد أن أمعنوا في تناول الشقف والكباب والمقبلات، وشربوا الشاي الخمير، نظر أبو نديم إلى ساعته وقال بصوت تقصدَ أن يجعله مرتفعاً لكي يَسمعه أبو قدور: 

- صارت الساعة تسعة وربع. هادا وقت النشرة! 

وحرك زر تشغيل الراديو، وإذا بصوت أبو قدور ينطلق من الراديو وهو يذيع نشرة أخبار من تأليفه.. فيها أخبار عجيبة عن حروب وتهديدات ومناوشات وفيضانات وزيارات ولقاءات بين الرؤساء، حتى وصل إلى بغيته فقال: 

- الخبر الأخير من اللاذقية. بناء على طلب الجماهير الكادحة وصلت إلى ميناء اللاذقية باخرتان محملتان بالبالة، وسيتم توزيعهما على المحافظات التالية: حمص- حلب- إدلب، وبأسعار رمزية.

اكفهر وجه الخياط أبي برهان وقال: رجعنا للبالة؟ يلعن أخت البالة برجلي..

وفجأة جاء صوت أبو قدور عبر الراديو يقول: 

- لا يا أبو برهان، لا، الحكومة استوردت البالة لأجل الجماهير الكادحة هل أنت ضد الجماهير؟

فنجر أبو برهان عينيه وهمس لأصدقائه وهو يطفئ الراديو:

- يخرب بيته، هذا المذيع طلع بيعرفني! الظاهر يا شباب أن كبرتنا ستنفضح على آخر العمر!

دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...