نسوان المعتقلين عند باب السجن

07 أكتوبر 2020
+ الخط -

حكاية جديدة رويت لنا في سهرة الإمتاع والمؤانسة. في بداية السهرة قسم صديقُنا كمال حكايات السجون والمعتقلات إلى قسمين، الأول تجري أحداثه داخل السجون، والثاني في الخارج. وقال:  صحيح أن نظام الأسد مجرم وحقير وواطي وسافل ومنحط وتافه، لكن كان في إله ميزة مهمة.

انبرى له أبو زاهر بشيء من العصبية: ما إله ربع ميزة. من وين جبت هالحكي يا أستاذ كمال؟

كمال (مبتسماً بذكاء): بيقولوا في الأمتال - يا أبو زاهر - إنه نص الكلام ما إله جواب. أنا هلق عم أعمل تمهيد للفكرة تبعي، ولما بقولها بإمكانك توافق عليها أو تنفيها، وبالمناسبة، إنته بالذات من حقك تدحض فكرتي، لأني أنا ما دخلت السجن، بينما إنته، ما شاء الله، عندك خدمة 15 سنة في سجن تدمر. لو كان للسجناء رتب وترفيعات كنت صرت قائد كتيبة.

ضحك أبو زاهر وقال مستجيباً للمزاح: أخجلتم تواضعنا يا أستاذ كمال. تفضل، قول فكرتك.

كمال: حكى لنا أبو مرداس، في السهرة السابقة، وقال إن السجين لما بيوصل للحظة إطلاق سراحه، وبعدما ما تكون طلعت روحه خلال السنوات اللي مضاها في السجن وداق فيها الأمَرّين، بيلتقي فيه أحد الضباط وبيطلب منه يخرس بعدما يطلع، يعني ما بيجوز يحكي عن أسرار السجن وحقاراته قدام بشر، وإذا حكى ممكن يرجعوه لنفس السجن! ولأنه هالسجين بيعرف كل شي عن مرارات سجن تدمر وآلامه بيخرس فعلاً. أنا برأيي هاي شغلة إيجابية.

أبو محمد: طيب أستاذ كمال، ممكن تقول لنا ليش إيجابية؟

كمال: لأن الآلام اللي تعرض لها ما بتنطاق، فالأفضل ما يحكيها لأهله حتى ما يتألموا منشانه. يعني، بعدما يطلع ممكن تجي أخته وتسأله ببراءة (خاي، كانوا يعذبوكم في السجن؟)، ومن خوفه ما يرجع ع السجن بيقول لها: لا والله يا خيت، ما في شي من هاد. معقول يعذبونا؟

ضمن هالفوضى اللي حصلت في سيدة صارت تقول للحراس: استنى لا تضرب، أنا زوجي مانه سياسي. ألله وكيلك يا خيو، زوجي مانه سياسي، زوجي تاجر مخدرات

هون أخته بترتاح نفسياً، وما بتتألم عليه. وممكن الوالدة تسأله عن الطعام في السجن، فبيقول لها: والله يا يوم الأكل نضيف ومغذي ومدروس صحياً بعناية.

فتقول: أوخ، الحمد لله يا إبني. طمنتي.

أبو زاهر: هاي الشغلة ما بتنضبط يا أستاذ كمال. صحيح نحن بعدما طلعنا بقينا ساكتين وخرسانين، لكن، في المحصلة، كل شي صار معنا خلال مدة السجن عرفوه أهالينا. شلون عرفوه؟ الله أعلم.

حنان: إنته لوين بدك توصل من ورا هالمقدمة يا كمال؟

كمال: في عندي حكاية إلها علاقة بموضوع زيارات المعتقلين. بس مو بسجن تدمر، لأن هادا ما كانت تروح عليه زيارات، الحكاية تبعي بتحدث عند الباب الخارجي لسجن حلب المركزي.

أبو محمد: أف. ليش هادا السجن كان فيه سياسيين؟

كمال: طبعاً. كان أغلبية السجناء في سجن حلب المركزي جنايات وأحكام قضائية ومخالفات تموينية، وبنفس الوقت فيه جناح للسياسيين. وكان في زيارات للطرفين. المهم، بطلة القصة امرأة حلبية شجاعة، خلينا نسميها "فايزة" على سبيل الافتراض، كانت فايزة تساعد زوجها في أعماله السياسية، ولما صار في السجن كانت تجي بموعد الزيارة وتجيب له أكل وشرب وكتب، وأحياناً يطلب منها تجيب له دفتر هوي مسجل فيه بعض الأشياء المهمة، فكانت تحط الدفتر تحت تيابها، حتى ما يعثروا عليه الشرطة أثناء تفتيش الأغراض، ولما تشوفه في غرفة الزيارات كانت تطالع الدفتر من تحت تيابها وتعطيه إياه.. وفي مرة من المرات، أجت ع السجن في موعد الزيارة، لكن ما استقبلوهم، لأن كان في عمليات تنضيف وصيانة للسجن، فرجعت ع البيت مقهورة، وعلى بين ما صار وقت الزيارة التالية اشتاقت كتير لزوجها، وقبل الزيارة بيومين ما قدرت تنام من الشوق، ويوم الزيارة فاقت بكير، ورتبت الغراض اللي بدها تاخد له إياهن، واستحمت، وسوت مكياجها وشعرها، وراحت على باب السجن، ففوجئت بشي غريب عم يجري هناك. كانوا الحراس عم يبعدوا أصحاب الزيارات لبعيد وما عم يسمحوا لحدا يقرب من الباب. والناس بهيك حالة بتضطرب أحوالهم، وبيصيروا يتحركوا بشكل عشوائي، لوقت ما وقف واحد من الشرطة وقال: اليوم ما في زيارات. السيد وزير الداخلية عم يتفقد السجن.

وعلى الفور انفلتت عليه فايزة وقالت له: إن شاء الله بيتفقدك "أبو ملعون" إنته والوزير، هدول النسوان والولاد اللي جايين يزوروا المساجين تبعهن مو مضحكة عندك وعند وزيرك.. 
صاح عسكري تاني: عم تحكي ع الوزير وليك؟

قالت له: طز فيك وفي الوزير. روحوا دخلوه من الباب التاني، هادا الباب للزيارات، ضروري تلغوا الزيارة كرمال خاطره؟

وبقيت فايزة تردح للحراس، وتحكي ع الوزير وعَ الضباط، والنسوان اللي جنبها صاروا يترجوها تسكت، حتى ما يصيبهن ضرر، وهي ترفع من معدل الصياح والردح، لحتى طلعوا الحراس عن طورهم، وهجموا عليهن وصاروا يضربوهن بالقشط العسكرية، ويسبوا ع المعتقلين السياسيين، ويقولوا عنهم خونة وعملاء لأميركا، واشتغل الصراخ والولاويل، وفايزة مستمرة بالسباب..

وضمن هالفوضى اللي حصلت في سيدة صارت تقول للحراس: استنى لا تضرب، أنا زوجي مانه سياسي. ألله وكيلك يا خيو، زوجي مانه سياسي، زوجي تاجر مخدرات.

واحد من الشرطة رفع إيديه وطلب من رفقاته يوقفوا الضرب، وقال للمرا: عفواً يا أختي. إنتي زوجك أبو عبدو؟

قالت: أي خيو، هوي بذاته، أبو عبدو دواس الليل.

فقال لها: لا تواخذينا يا ست أم عبدو. تفضلي تفضلي.

قالت له: أهلين فيك. أنا مو أم عبدو، أنا مرته الجديدة.

الشرطي: عدم المؤاخذة ما كنت عرفانك. لك خيتو الحق عليكي، قولي من الأول إنك من طرف أبو عبدو. سلمي لي عليه أمانة. قولي له الشرطي محمد ساعدني، وما خلى رفقاته يضربوني. ماشي؟!

وأدخلها من باب خاص بينما بقية الشرطة يتعاركون مع فايزة وبقية نساء المعتقلين.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...