"نتفليكس" في خدمة الأسد: وكأن شيئاً لم يكن
يقول الباحث في السياسية والإعلام الدكتور التركي سافاش شوبان، الهيمنة والأيديولوجيا ليستا أفكارًا مرنة، لكنهما تنجزان مهامهما من حيث الحفاظ على هيمنة الحكومة على المجال الاجتماعي.
هذا الأمر ينطبق تماماً على الإنتاج السينمائي السوري الرسمي، والذي أنتجته مؤسسة السينما السورية خلال العقد الماضي، حيث عمدت الحكومة إلى تحويل صناعة السينما إلى أداة لفرض أيدولوجياتها، والتأكيد على روايتها للأحداث السورية، دون الالتفات للوقائع.
على الطريقة الهتلرية، في تطويع السينما لخدمة الدولة، جاءت الطريقة الأسدية، لتفرغ السينما من محتوها، وتطويعها في خدمة الطاغوت، وروايته، وأيديولوجيته، ونرى ذلك في عشرات الأفلام التي أنتجت مؤخراً، خاصة أفلام نجدت أنزور، وباسل الخطيب، وجود سعيد، وغيرهم.
يبدو أن هذه الطريقة الهتلرية الأسدية، وجدت طريقها إلى منصة نتفليكس أيضاً، حيث عَرضت المنصة الأميركية قبل أيام الفيلم الوثائقي "وكأن شيئا لم يكن" للمخرج تيم قارصلي، حيث يقدم الفيلم كما يُعرّف عنه في المنصة: "الصدمة النفسية" لسبع شخصيات دمشقية، خلال ثماني سنوات متفرقة، إنها قصة مدينة والآثار النفسية التي حملها سكانها في سنوات الحرب.
الفيلم مجرد من الحقائق بشكل كامل، لا بل الصورة الأوسع من حكاية الفيلم "أو ما يوثقه" تبرئ النظام بالكامل من المآل المدمر للمدينة والناس. أما الصدمة النفسية التي وعد بتقديمها لم تحو أي بعد، ولم تكن سوى كلمات وجمل غير مترابطة، وأفكار ضائعة.
مشاهد لنازحين يسكنون مدرسة، أطفال يركضون بعد سقوط قذيفة، يتناقشون في نوع القذيفة، دون الإشارة إلى أي جهة تقصف، وكأن هذه القذيفة جاءت من السماء.
يبدأ الفيلم بدقائق متواصلة من الخنادق المحفورة تحت الأرض، دون الإشارة إلى مكانها، أو لماذا وجدت، أو لماذا استخدمت، لينطلق منها إلى مشاهد متفرقة من الدمار والخراب، شخصيات عشوائية تتحدث من دون أي هدف، لقطات لعناصر من الجيش التابع للنظام، يحمون الوطن والمواطنين! امرأة تغني مواويل للأسد "الله وسورية وبشار، غير 3 ما منختار"، أخرى تصف كل من خرج من المدنية بالجبان، وثالثة تريد لأولادها أن يبقوا في المدينة، رجل يتمنى الموت أو يتمنى أن يختبره على الأقل... كل ذلك دون أن نرى السبب أو المسبب.
مشاهد لنازحين يسكنون مدرسة، أطفال يركضون بعد سقوط قذيفة، يتناقشون في نوع القذيفة، دون الإشارة إلى أي جهة تقصف، وكأن هذه القذيفة جاءت من السماء.
الفيلم الذي صوّر في دمشق، بطبيعة الحال لم يخرج للعلن دون أن يتم الموافقة عليه من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ليكون فيلماً جديداً "الطويلة منها والوثائقية" في ترسانة السيطرة على العقول، وتشويه الحقائق التي انتهجها النظام السوري، إما عبر مؤسسة السينما أو عبر الشركات الخاصة التي أنشأها للإنتاج، ولكن هذه المرة يأتي الفيلم عبر منصة مختلفة، منصة أميركية ترفيهية، يصل عدد مشتركيها إلى مئات الملايين.
السينما السورية نموذجاً للسينما في العالم الثالث، حيث تتداخل فيه الأبعاد السياسية والفنية والاجتماعية بشكل واضح. ويظهر دور الدولة في الإنتاج السينمائي في عهد الأسد من خلال مجموعة من الأفلام التي أنتجتها الدولة من خلال الهيئة العامة للأفلام، وكانت وسيلة لعرض أيديولوجية النظام وفرض سلطته وسيطرته وإبراز قصته وتبنيها.
وبطبيعة الحال الفيلم السينمائي في سورية يتداخل مع البعد الشخصي مع البعد السياسي والاجتماعي ويسعى لتوجيه الرأي العام والتلاعب بالحقائق لخدمة النظام الحاكم، كما هو الأمر مع فيلم "وكأن شيئاً لم يكن". وباقي أفلام التي أنتجها النظام السوري.
إذ لعبت السينما دورًا كخطاب سياسي في انتقاد النموذج وتحويله إلى خطاب موحد غير منضبط يسعى إلى التخريب. بالإضافة إلى تمتعها بتبلور الأفكار الداعمة للنظام السياسي الحاكم.