من لا يتعلم من التاريخ يعلّمه التاريخ
في عام 1998، أرْسِل الجيش التركي "بشكل جدّي" إلى الحدود الشمالية لسوريّة، وذلك بسبب الرعاية المباشرة والعلنيَّة لحافظ الأسد لحزب العمال الكردستاني PKK، واحتضان قائده عبدالله أوجلان. ولأنَّ الأسد الأب كان يتعامل مع الفصائل العسكريّة الكرديَّة والفلسطينيَّة كأوراق تفاوض سياسيَّة لحظة الجد، قام بتسليم أوجلان فوراً، الرمز "المقدّس" لحزب العمال الكردستاني.
بالمقابل، وقّع الرئيس السوري الراحل اتفاقيَّة أضنة عام 1998، التي تنص على سلام عسكري دائم مع الأتراك. وأمَّن بذلك الأسد سلامة وأمن حدوده الشماليَّة، وتفرّغ لتوطيد حكمه العسكري الأمني أكثر. اليوم، يقوم أتباع نفس الحزب بالتحالف المباشر مع من سلّم رمزهم وقائدهم الذي يقدّسونه حتّى الآن. في التحالف الأوّل، خسر الحزب قائده عبدالله أوجلان على يد الأب. وفي هذا التحالف، يبدو أنَّ الخسارة ستكون على الشعب الكردي كلّه على يد الابن.
من لا يتعلم من التاريخ، يعلّمه التاريخ.
-2-
بعد كل حادثة صادمة تحصل في الغرب، مثل حادثة التحرّش الجماعي التي جرت في المحطّة الرئيسيّة في مدينة كولن، وهجمات باريس، وكل الهجمات التي جرت في أوروبا بعد 11 أيلول، تتّجه فورًا كل الجاليات المسلمة والعربيّة والمهاجرة عمومًا، إلى التمسّك بقيم العدالة والديمقراطيَّة ومكتسبات دولة القانون الغربيّة الحديثة. لأنَّ سلطة القانون وحدها قادرة على حماية هذه البيئات الأقلويّة المهاجرة من عنف اليمين المتطرف والعنصريين. أي أنَّ الديمقراطيّة والقانون، اللذين تحتقرهما غالبيّة تيّارات الإسلام السياسي العربيَّة المتشددة في الأماكن التي يريدون حكمها (عندما يكونون أكثريَّة)، يساهمان في حماية المسلمين الذين يتكلّمون باسمهم، عندما يكونون في الغرب (أي عندما يكونون أقليّة)!.
-3-
العنصريّون العرب يتخّذون من نقد مشروع الهيمنة لحزب الاتحّاد الديمقراطيّ PYD كمدخل لتجريم كلّ الأكراد في كل مكان. والعنصريون من الكرد والأقليَّات، يتّخذون من نقد تنظيم الدولة الإسلاميَّة أو أشباهه، كذريعة لاتهام السنة والعرب بالداعشيَّة. والعنصريون الطائفيّون السنّة يتخّذون من جرائم نظام الأسد أو مليشيات حزب الله، منصَّة لاتهام كل الطائفة الشيعيَّة أو الطائفة العلويَّة.
قليلو الضمير والوجدان ماهرون في إحداث هذا الخلط، الذي يزكّي نار الحرب الأهليَّة.