من توفيق زَيَّاد إلى محافظ إدلب
يستخدم أبو الجود اسم "المحافظ" كثيراً في أحاديثه اليومية. إذا التقى به أحد معارفه القدامى وسأله: كيف أحوالك يا أبو الجود؟ يقول ساخراً: رائعة، الله وكيلك عايشين عيشة أحسن من عيشة المحافظ. وإذا زاره أحد في بيته واطلع على البؤس المعشش فيه، وسأله فجأة: إنته مبسوط في عيشتك بهادا البيت؟ سرعان ما يبدأ بتقديم شروحاته التي تفيد بأن هذا البيت نعمة من عند الله. ويقول:
- في ناس عايشين في المخيمات، وناس عم يشيلوا غراضهم وبيركضوا وما عم يلاقوا مكان يقعدوا فيه، أنا ساكن في بيت إلُه أربعْ حيطانْ وسقفْ، وشبابيكُه بلور، وفيه أثفية إذا بردنا في الشتي منحسن نشعّل فيها نار ونتدفا عليها.
ثم ينتقل إلى موقع الهجوم، ويقول لسائله: أنت بتعرف قصر المحافظ؟ أنا شايف البيت تبعي بهالظروف أحسن من قصر المحافظ!
في جلسة الإمتاع والمؤانسة التي انعقدت في منزلي بحي (Sefaköy) الإسطنبولي أراد أبو الجود أن يفتح السيرة، فسألنا: مين منكم بيعرفْ محافظ إدلب؟
قال كمال مخاطباً الموجودين الذين ينتمون إلى محافظات أخرى: نحنا أهلْ محافظة إدلب كلنا منعرفْ المحافظْ اللي عم يسأل عنه أبو الجود. حتى الأطفال الزغار اللي انولدوا بعد سنة 1970 كانوا بيعرفوه، وحافظينه ع الغايب.
قال صديقنا الحموي أبو مروان: غريب هالحكي. صدقني أنا طول عمري عايش في حماه، ومع هيك ما بعرف مين بيكون محافظ حماه.
قال كمال: نعم، والسبب أنه محافظ حماه مو ثابت. محافظ إدلب بقي في منصبه أكتر من بقاءْ حافظ الأسد نفسه في رئاسة سورية المنكوبة. وإذا حبينا ندخل في مجال التنكيت منقول إنه أهل حماه ما بيعرفوا مين محافظ حماه، بس بيعرفوا محافظ إدلب!
قلت منسجماً مع حالة التنكيت: كانت والدتي الحاجة أم طارق الله يرحمها بتعتقد إنه المال، أو محصول الأرض، أو منتوج المعمل، إذا الواحد دَفَعْ عنه زكاة بنسبة شرعية صحيحة ما عاد يتعرض للسرقة أو الغرق أو الحريق. وأنا قلت لها مرة يا حاجة صححي معلوماتك، ترى مو بس المال المزكى ما بيغرق ولا بيحترق، كمان محافظ إدلب! فاستغربت كلامي وقالت لي: شلون يعني؟ قلت لها: محافظ إدلب ما بيغرق، ولا بيحترق، ولا بيموت، ولا بينتقلْ، ولا بيطلعْ تقاعدْ، ولا بياخدْ إجازة إدارية، ولا بياخد إجازة صحية، لأنه، والحمد لله، ما بيمرض.
ضحك أبو زاهر وقال: بالمناسبة، أهل إدلب كانوا يستخدموا عبارات وحكم وأمثال شعبية بيقولوها كلما ذُكِرْ اسمْ محافظ إدلب في حضورهم، متل عبارة: الله محيي الثابتْ.. وحياة خالقك ماني مفارقك.. ووراك وراك دايماً.. وكان عندنا شخص اسمه أبو صبحي مولع بتأليف العبارات الخاصة بالمحافظ.. أنا مرة حضرت موقف كوميدي لأبو صبحي.. شفته واقف في مكان مرتفع وعم يمثّل دور القائد، وصار يخاطب أهل إدلب ويقول: العدو من أمامكم والمحافظ من خلفكم، فأين المفر؟ ولما كان حدا يقول قدامه فكرة غبية يقول له: تسلم لي هالملافظ، يا اللي أفهم من المحافظ.
قلت: أخونا أبو الجود في عنده ذكريات كتيرة عن المحافظ.. يا ريت يسمعنا شي منها..
قال أبو الجود: لو كان المحافظ عم يقعد في هالمحافظة سنتين أو تلاتة وبيمشي، ما كان حدا تْذَكَّرُهْ، ولا كنت بتسمع حدا عم يجيب سيرته.. أما محافظنا ما شاء الله عليه، طَوَّلْ في منصبه كتير، حتى إن بعض النسوان ما عادوا يحطوا الحجاب في حضوره باعتبار إنه صار منا وفينا! وعلى ذكر أبو صبحي اللي حكى عنه أبو زاهر أنا بعرف قصة ما حدا بيعرفها غير كامْ واحد من أصدقاؤُه المقربين، أنا سمعتها منه شخصياً.
قال أبو محمد: تفضل احكي لنا إياها.
قال أبو الجود: متلما بتعرفوا أبو صبحي معلم ابتدائي. وفي إحدى الدورات الامتحانية فرزوه على مديرية الامتحانات وعينوه مراقب على فحص طلاب البكالوريا الأدبي.. وذات مرة، أثناء فحص مادة اللغة العربية، شاف طالب كسول واقف قدام الأسئلة محتار، ولما مرّ من جنبه صارْ الطالب يتصنع الحزن والذل. قال له: إشبك؟ قال له الطالب: يا أستاذ حليت كل الأسئلة ما عدا سؤال واحد عن أدب النكبة. الله يخليك يا أستاذ ويخلي لك أولادك ساعدني. وحط إصبعه على السؤال وقال للأستاذ: هادا هوي السؤال، في قصيدة لتوفيق زَيَّاد بتقول: هنا على صدوركم باقون كالجدار.. والمطلوب في السؤال إنه نشرحها. فقال أبو صبحي: لا تكتر شرح. اكتوب كلمتين بس: محافظ إدلب!