مناقشة فكرية عند باب التواليت

01 مايو 2018
+ الخط -
كان صديقي الراحل أبو النور واحداً من أظرف الظرفاء في مدينة إدلب. وكان مصاباً بالداء السكري الذي يسميه "الوبيل"، وعنده، بخصوص هذا الداء عدد كبير من الحكايات المضحكة، منها أنه كان، ذات مرة من سنة 1991، يشتري بعض حاجاته من الساحة الفوقانية بمدينة إدلب، وفجأة شعر برغبة قوية بالتبول.. وللعلم فإن كثرة التبول هي من أبرز أعراض السكري "الوبيل".

ألهمه حَدْسُهُ أن يغذ السير عبر "سوق الصيَّاغ" شرقاً، ثم ينعطف شمالاً باتجاه عيادة الدكتور عبد الرزاق جبيرو، وينعطف من خلفها شرقاً نحو مراحيض الجامع العمري التي تمتاز بالاتساع والنظافة والقرب من مكان وجوده.


قال أبو النور: حينما أصبحتُ أمام "محل زعتر الرحمة" لاح أمامي مدخل مراحيض الجامع العمري، فسررتُ لاقترابي منها، وتخيلتُ أنني وصلتُ وتبولت، ورحت أحلمُ بالارتياح الذي سينتقل من مثانتي إلى بقية غدد جسمي وعضلاته وأعصابه، ثم إلى نفسي المتوترة.

المهم، يا حبيبنا أبا مرداس، ما إن وصلتُ قرب مدخل المراحيض حتى اعترض طريقي واحدٌ من معارفي القدماء، اسمه "أبو إبراهيم"، وهو رجل بارد، يتحدث ببطء، ويحب المناقشات الطويلة، واستعراض معلوماته وثقافته أمام الآخرين.

سر أبو إبراهيم برؤيتي، وبدا مبسوطاً مشقرقاً كما لو أنه عثر على لقية، وسرعان ما أدخل نفسه بيني وبين باب المراحيض، وصافحني بحرارة، وقال لي:
- أهلين وسهلين بنور العين أبو النور. بعد زمان والله. شلونك يا خاي؟
أجبته باقتضاب: منيح.

قال: كويس أني شفتك. أتصدق بالله؟ من يومين وأنا عم فكر أن أروح لعندك عالحارة الشمالية وأزورك في البيت. بتعرف ليش؟ لأني كتير بحب حديثك وآراءك. وفي موضوع شاغل بالي، أحب أن أعرضه على جنابك.

قلت له وقد بدأتُ أرتجف من شدة انحصار البول: خير؟ قال لي: أخي أبو النور، أنت أيش رأيك بحرب الخليج؟!
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...