ملف: تيمة العنف والكراهية في أغنية "لوسيفر" (24)

21 يونيو 2023
+ الخط -

يلاحظ المستمع والدارس لأغنية الراب، عموماً، أنّها ذات منشأ منحط، لأنها نشأت أساساً في الهامش من طرف العصابات في الولايات المتحدة الأميركية، وفي الأحياء الخطيرة منها تحديداً، حيث تعكس (أغنية الراب) شكلاً من أشكال استعادة الذات للسود على حساب البيض، وهي شكلٌ من أشكال ما بعد الكولونيالية يُعبّر من خلالها الرجل الأسود عن كونه إنساناً، يمكنه أن يتكلم، ويمكنه أن يُعبّر عن مواقفه من حالات الإلغاء والمصادرة التي يتعرض لها (الأسود) في المجتمع الأميركي.

لينتقل هذا الفن إلى المجتمعات العربية ويستقبله الشباب بنوع من الإعجاب والحماسة، ليكون وسيلتهم في التعبير عن أنفسهم وفي التعبير عن خلافاتهم الاجتماعية، بل طبقاتهم الاجتماعية، حيث يمثل ديدين كانون 16 (خير الدين يوسف) علامة فارقة في أغنية الراب على المستوى المحلي والعربي والقاري، ولقد أصبح بفعل هذه الأغنية (LUCIFER) ممثلاً مهماً لشكل العنف الذي يسكن الراب عموماً، حيث تتميز هذه الأغنية بمزاجية خاصة تتحرك في دائرة العنف ونشر الكراهية بين جمهور المتابعين، فأصبحت هناك ردود أفعال لا أخلاقية بين جمهور المتابعين، ويظهر ذلك بشكلٍ واضح وصريح في تعليقاتهم على اليوتيوب ومنصات التواصل الاجتماعي.

عنوان هذه الأغنية هو العتبة الأولى التي يجب أن نقف عندها من أجل فهم مضمونها. "لوسيفر" في اللاتينية هي "حامل الضوء"، أمّا في الثقافة الشعبية المسيحية، فتعني "الشيطان" أو "إبليس". هذه التسمية التي صنعت جدلاً على مستوى منصات التواصل الاجتماعي، وصل إلى حد اتهام ديدين بالترويج للماسونية ولإله عبدة الشياطين. فيما أرى أنّ توظيف "لوسيفر" جاء في إطار رد ديدين على خصومه من الرابورات، حيث مثّل نفسه بأنّه ملك من ملوك الجن، باعتبار أن "لوسيفر" يجمع بين الصفات البشرية والشيطانية التي تمنحه قدرات فائقة.

بعيدًا عن المحاكمات الأخلاقية فإننا نقول أن أغنية "لوسيفر" فيها تحريض على انتهاك الحريات، وفيها سبٌ وشتم غير مبرر حتى من الناحية الفنية

لكن تَمَثُّلُ الشيطان في حدّ ذاته هو شكل من أشكال إثارة العُنف والتحريض على الكراهية، حيث إن القانون السائد ضمن لعبة الراب هو قانون القوي والضعيف، السادة والعبيد، بل لنقل قانون الشياطين والملائكة، حيث يُضغَط على كل ما يتصل بالحقل الدلالي للشيطان. فقد درسنا في علم الدلالة أن هناك ما يُسمى الحقل الدلالي "le champ sémantique"، وكلّ ما يقع في دائرة الشيطان هو مخالف للأخلاق والآداب العامة مثل: المعصية، الجريمة، الفسوق، التشهير، الأقنعة، اللعب على المسوخ وغيرها، وهذا ما تعكسه أغنية ديدين كانون 16 التي هي أغنية باذخة في الحمق والبشاعة، كما رأينا في الفيديو كليب حيث يدخل الشيطان -من خلال القناع الذي يعكس البشاعة- يحمل في يده عصا لينتهك بها جسداً ما أو عرضاً ما، لتبدأ الخطايا تتوالى في شكل كلام نابي.

وبعيداً عن المحاكمات الأخلاقية، فإننا نقول إن أغنية "لوسيفر" فيها تحريض على انتهاك الحريات، وفيها سبٌّ وشتم غير مبرر، حتى من الناحية الفنية.

هذا ما يدفعنا إلى الحكم على أنّ الأغنية فارغة من جهة الرسالة -فزمن الراب من أجل الراب قد ولّى- كذلك فإنها ضعيفة جداً من ناحية الاستعراض على مستوى الفيديو كليب، وكل ما يمكن قوله أنها أغنية تحرض متابعي ومحبي ديدين كانون 16 على مزيد من البوهيمية، مزيد من العنف، مزيد من الكراهية، فما معنى أن يصبح الغناء موضوعاً يثير الكراهية، فقط؟

كان لا بد أن ينتبه ديدين وهو يحقق هذه النسب العالية من المشاهدات إلى أن بقاءه في هذا النوع من الأغاني لن يضيف في المستقبل شيئاً إلى نجاحاته. فالراب في السنوات الأخيرة لم يعد موجهاً لفئة دون 25 سنة فقط، بل إنّ جمهور هذا الفن أصبح متنوعاً ومن طبقات اجتماعية مختلفة. وهو ما سنحاول أن نتطرق إليه في المقال المقبل.

سمير رابح
سمير رابح
كاتب وناقد مسرحي من الجزائر، له عدّة نصوص مسرحية ومساهمات في الصحف الجزائرية، خريج قسم الأدب، تخصّص دراسات نقدية، ومتحصّل على ديبلوم الكتابة الدرامية. يعبّر عن نفسه، بالقول: "أنا لا أكتب رغبة في الكتابة، بل أكتب عمّا يهمني من الأشياء".