مسلسل اختطاف عليا (الحلقة الأخيرة)

15 فبراير 2018
+ الخط -
كنا قد اتفقنا على فكرة اختطاف الفتاة عليا من مدينة جبلة الساحلية، واطلعنا على الخطة التي وضعها صديقنا سلوم بنفسه، فأعجبتنا، واشتركنا في دفع ثمن المازوت الذي ملأنا به خزان سيارة صديقنا عبدو، وفي حوالي الساعة الرابعة بعد العصر، ذهبنا في طريق جسر الشغور، قاصدين مدينة جبلة.

إن الطريق بين إدلب وجبلة جميل جداً، مهرجان حقيقي من الخضرة والألوان، وزقزقة العصافير. ونحن يومئذ كنا في ريعان الشباب، لذا طغى مرحنا وضحكاتنا على جمال الطريق وزقزقاته. ولكننا، حقيقة، بدأنا نشعر بالخوف حينما أصبحنا على مشارف جبلة، وشرعنا ندلي بمخاوفنا لسلوم، عساه يشفق علينا ويعفينا من هذه المهمة الصعبة. ولكنه ضرب على أوتارنا الحساسة بقوله:
- أين الرجال؟
فما كان منا إلا أن تجاسرنا وصممنا على إتمام عملية الاختطاف مهما كلف الأمر.
قلت لسلوم، وقد أصبحنا على مرمى حجر من بيت عليا:
- انتظروني هون، وكونوا على أهبة الاستعداد، للتدخل إذا لزم الأمر، وأنا أطرق عليهم الباب، وبحسب الوضع اللي بدي شوفه قدامي بتصرف.


فقاطعني سلوم قائلاً: المهم أنك توصل خبر لعليا بأني أنا جاية لاخطفها، وهي تتصرف. بلعت ريقي بصعوبة. سويت هندامي، وطرقت الباب فخرج لي رجل في الستين من عمره، يبدو أنه أبو عليا، استقبلني ببشاشة ولم يترك لي فرصة لأقول شيئاً، إذ اصطحبني إلى الداخل حيث كانت ثمة جلسة عائلية فيها عدد من الشبان والصبايا، عرفني عليهم واحداً واحداً حتى وصل إلى صبية جميلة جداً فقال: وهاي بنتي عليا.

وأشار إلى شاب وسيم وهادئ يجلس بجوارها وأمامه كأس فيه متة. وقال: عبد الحميد، خطيب ابنتي عليا، مهندس مدني. موظف في الإنشاءات العسكرية.

بصراحة؟ هذه المعلومة أوقفت شعر رأسي من دهشة واستغراب.. والتصرف المتحضر الذي بدر من صاحب المنزل شجعني على قول ما أريد، ولا سيما أنهم قدموا لي كأساً من المتة مع الترحاب والحفاوة. فعرفتهم بنفسي، وتوجهت إلى الرجل بالقول:
- على علمي أن الزواج في بلادنا نوعان، الأول تقليدي عادي، والثاني يقوم على الحب بين الشاب والفتاة. فيا ترى كيف تمت خطوبة الآنسة عليا؟
فقالت هي: أنا وعبد الحميد منحب بعضنا كتير كتير، ومتفاهمين على كل شي.
تجاسرت أكثر وقلت لها: وماذا بخصوص سلوم؟
قالت: بتقصد سلوم المعرتمصريني؟ ليش أنت بتعرفه؟
قلت: مو بس بعرفه، هو هلق معي، جينا لهون مجموعة رفقة.
وعلى الفور وقف اثنان من إخوة عليا، وخرجا إلى السيارة المتوقفة في الخارج، وبعد قليل عادا ومعهما سلوم وبقية أفراد الشلة.

وبعد أخذ ورد فهمنا أن سلوم يحب عليا من طرف واحد، وأنه ذات مرة فاتحها بحبه فصدته برفق باعتبار أنها تحب شخصاً آخر. وأما أبوها وأمها وإخوتها فلم يكن لهم أي علم بهذه التفاصيل، وحينما علموا بأننا قادمون لاختطافها ضحكوا كثيراً، وقال السيد عبد الحميد:
- لشو الاختطاف وهالشغل اللي مالو طعمة؟ ها هيي عليا قدامك، إذا كانت بتريد الأخ سلوم أنا مستعد إنسحب حالاً.
قال عبدو: يا جماعة لا تواخذونا، أكيد في التباس.

حينما أصبحنا في الخارج أمسك الأصدقاء بتلابيب العاشق الولهان سلوم، ولولا أنني أبعدتهم عنه لكانوا خنقوه، وهو يقول لهم:
قلت لحالي منخطفا ومنجوز ومنحب بعضنا، أنا شو معرفني أنها بتحب واحد تاني؟

(تمت القصة)
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...