مخابراتنا متفوقة على المخابرات الإسرائيلية

02 فبراير 2019
+ الخط -

تابعنا، في جلسة "الإمتاع والمؤانسة" المنعقدة في مدينة الريحانية التركية (صيف 2012)، حكايةَ تقرير أمني لا تقل مساحتُه عن مساحة الشرشف السَّبْعَاوي، كتبه الشاعرُ المخبر فلان الفلاني بحق صديقنا الروائي (ميم) زاعماً أن ميم التقى في باريس مع مجموعة من الشخصيات الإسرائيلية المعادية لبطل الصمود والتصدي حافظ الأسد- كما جاء في التقرير. 

عندما وصل الحديث إلى خاتمة القصة، واتضح أن الروائي "ميم" لم يحصل طوال حياته على جواز سفر، ولم يسافر إلى باريس ولا إلى أي مكان في العالم، اضطر فرع الأمن الخارجي لإطلاق سراحه بعدما ألقى عليه محاضرة في الصمود والتصدي وضرورة الالتفاف حول القائد.

تساءل أبو الجود عن موقف عناصر فرع أمن الدولة من المخبر الحقير الذي قدم لهم هذا التقرير الكاذب، فيا ترى ألم يعاقبوه أو يقرعوه على هذه الفعلة الحقيرة؟


قال أبو زاهر: لا يوجد في العالم رجل مثلي يعرف كيف تفكر الأجهزة الأمنية الأخطبوطية. فهم لا يعتبرون كتابة التقارير عملاً حقيراً، بل يصفون أي كاتب تقارير يُذْكَرُ اسمُه بحضورهم إنه رجل وطني، وأحياناً يقولون إنه غيور على مصلحة البلد، وأنا أتصور أنهم توجهوا إلى الشاعر المخبر فلان الفلاني بالسؤال عن السبب الذي جعله يكتب هذا التقرير الكيدي بحق الروائي ميم، وهو، بلا شك، سيسوق لهم تبريراً من نوع آخر فيقول: أنا أعرف أنه لا يمتلك جواز سفر، وأنه لم يسافر خارج نطاق بلدته الصغيرة قط، ولكنني عرفتُ من عدة مصادر أنه قد حَوَّلَ إحدى الغرف في منزله إلى ما يشبه المضافة يجتمع فيها كل ليلة أبناء المنطقة المتشبعين بفكر الإخوان المسلمين التآمري، وأنا كتبتُ لكم هذا التقرير لكي تُحضروه وتضعوه تحت الضغط لكي يعرف أنه لا يمكن أن يغيب عن أعيننا الساهرة على أمن الوطن. 

قلت: أخونا "أبو زاهر" يقول هذا الكلام بمنطق التنبؤ والتحليل من خلال معرفته بطريقة عمل المخابرات، لا سيما أنه اختبر حقارتهم لسنوات طويلة في الاعتقال ثم في السجن.. وأما ما حصل في الواقع فهو قريب جداً مما رواه.. وقد أخبرني الروائي ميم أن الشاعر المخبر فلان الفلاني تقدم خطوة إلى الأمام بخصوص مضايقته.. ثم حكى لي عنه قصة طريفة جداً.

قال العم أبو محمد: في الزمن الماضي كان الناس يذهبون إلى المقهى ويستمعون للحكواتي.. أنا في الواقع مستمتع بحكاياتكم أكثر بكثير مما كنا نستمتع قديماً بسيرة عنترة العبسي وألف ليلة وليلة والفارس سيف بن ذي يزن..

قلت: الشاعر فلان الفلاني لم يكن قد التقى بالروائي ميم من قبل، وبعد مشكلة التقرير سعى للتعرف عليه، وجاء مرة إلى بيته في السهرة، وكان عند "ميم"، بالمصادفة، مجموعة أشخاص من أبناء المنطقة.. ووقتها استقبله ميم بحكاية ذات طابع خيالي.. إذا حكيتها لكم الآن فسوف تتأكدون من صحة كلام العم أبو محمد، فهي، بالفعل، أجمل من حكايات عنترة والزير أبي ليلى المهلهل.

قال أبو قدور: أيش منتظر؟ احكها لنا.

قلت: بعد أن سلم الشاعر فلان على الحاضرين وجلس، قدم له ميم فنجاناً من القهوة، ثم تابع حديثه قائلاً: أي شباب.. كنت أحدثكم عن الأشخاص الإسرائيليين الذين التقيت بهم قرب برج إيفل في باريس.. أنا حاولتْ كتيرْ أنّي أندمجْ معهم، ونصيرْ أصدقاء وحبايب، ولكنهم رفضوا صداقتي. مين بيعرف ليش؟ 

سرى لغط بين الحاضرين، قطعه ميم بقوله: 

- رفضوا صداقتي لأنني بارع في التزوير، بدليل أنني دخلت إلى فرنسا دون جواز سفر، وقال أحدُهم إن الإسرائيليين متفوقون علينا في المجال الأمني، فقلت له: خسئت، نحن متفوقون على العالم كله في كتابة التقارير. قال لي: هات برهانك. قلت له: المخبر عندنا يمتلك عقلاً تركيبياً تخييلياً يُمَكِّنُه من كتابة تقرير أكبر من ملحفة اللحاف بأشخاص لا يعرفهم، ويجعلهم يغادرون الحدود الجغرافية لسورية ويجتمعون مع أعدائها، ويخططون لإيذائها دون أن يتحركوا من أماكنهم. فتأمل يا رعاك الله! 

للحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...