محطات الروح وثقوب الذاكرة والبداية الجديدة

27 ديسمبر 2020
+ الخط -

ـ "الحياة والموت، الحلم واليقظة، محطات للروح الحائر، يقطعها مرحلة بعد مرحلة، متلقياً من الأشياء إشارات وغمزات، متخبطاً في بحر الظلمات، متشبثاً في عناد بأمل يتجدد باسماً في غموض. عم تبحث أيها الرحالة؟ أي العواطف يجيش بها صدرك؟ كيف تسوس غرائزك وشطحاتك؟ لم تقهقه ضاحكاً كالفرسان؟ ولم تذرف الدمع كالأطفال؟ وتشهد مسرات الأعياد الراقصة، وترى سيف الجلاد وهو يضرب الأعناق، وكل فعل جميل أو قبيح يستهل باسم الله الرحمن الرحيم، وتستأثر بوجدانك ظلال بارعة براعة الساحر مثل الأم والمعلم والحبيب والحاجب، ظلال لا تصمد لرياح الزمن ولكن أسماءها تبقى مكللة بالخلود. ومهما نبا بي المكان فسوف يظل يقطر ألفة، ويسدي ذكريات لا تُنسى، ويحفر أثره في شغاف القلب باسم الوطن، سأعشق ما حييت نفثات العطارين والمآذن والقباب، والوجه الصبيح يضيء الزقاق، وبغال الحكم وأقدام الحفاة وأناشيد الممسوسين وأنغام الرباب، والجياد الراقصة وأشجار اليمام وهديل الحمام".

نجيب محفوظ من رواية (رحلة ابن فطومة)

ـ "حياة طويلة نضيعها بكل معنى الكلمة على أناس، معظمهم سرعان ما يفقدون حماستهم أو أحلامهم، ومع ذلك لا يزالون يملكون كل تلك الأعوام أمامهم، الآن، بداية جديدة ستكون حتماً شيئاً ذا بال، شيئاً نادراً، ما لم تتمكن، كما يفعل الناس عادة، من أن تحول حياتك الجديدة إلى حياة قديمة".

من رواية (في أميركا) لـ سوزان سونتاج ترجمة علي عبد الأمير صالح

ـ "ما يخلقه الإنسان يتعداه ويفلت سيطرته، أكان حدثاً أم نصاً، نظرية أم أداة، مادة أم صورة. هذا شأن الأحداث، كالحروب والثورات، إنها تتعدى صانعيها بآثارها وتداعياتها، ولذا لا يمكن استنفاد القول فيها، ما يجعلها مادة خصبة للدرس والتحليل، أو للقراءة والتأويل، وكل قارئ يقرأ فيها ما لم يقرأه سواه، ومؤدى ذلك أنه يستحيل معرفة الماضي على ما جرت عليه وقائعه، لأن الممكن هو إعادة بنائه واستثماره وفقاً لمعطيات الحاضر الراهن واستراتيجياته والذين يؤمنون باستعادة ما مضى، من دون تحويل خلاق، يخفقون ويشوهون الماضي بقدر ما يدمرون الحاضر ويلغمون المستقبل، وهكذا فالحدث هو جملة إمكاناته ومروحة احتمالاته، بقدر ما هو شبكة تأثيراته".

من كتاب (ما بعد الحقيقة: من تزييف الحقائق إلى خلق الوقائع) لـ علي حرب

ـ "شعرت دائماً بأنهم إن أخبروني غداً أنني لن أستطيع تقديم المزيد من الأفلام، بأنهم لن يعطوني المزيد من المال، سأكون سعيداً أن أكتب للمسرح، وإذا لم ينتجوا لي مسرحياتي، سأكون سعيداً فقط بكتابة النثر، وإذا لم ينشروا لي، سأظل سعيداً بالكتابة وأترك ما أكتبه لأجيال المستقبل، لأنه إذا تواجد أي شيء قيّم، سأعيش وإذا لم يكن هناك أي شيء فالأفضل ألا أعيش، وهذه واحدة من الأشياء الجميلة حول الكتابة أو أي فن آخر، إذا كانت الأمور حقيقية فإنها فقط تعيش، كل الهرج والمرج المصاحب لذلك، والنجاح أو حتى الآراء النقدية الرافضة، فهي حقاً لا شيء، لا تهم أبداً، في النهاية الباقي على قيد الحياة هو المثبت لجدارته، المبني على أسس موضوعية... أنت تعتقد أن أعمالي ستعيش، كما قلت في مرات عديدة بدلاً من العيش داخل قلوب وعقول رجال من زملائي، أنا أفضل العيش داخل شقتي. ومع ذلك فإن بعض الفنانين يضعون مثل هذا التركيز على أعمالهم، على خلق شيء يكتب له الخلود، يضعونه قبل كل شيء آخر... أكره أن يصبح الفن ديناً، أشعر بالعكس، عندما تبدأ في وضع قيمة عليا لأعمالك الفنية عن الناس، فأنت تخسر إنسانيتك".

وودي آلان من حوار مع ميشيكو كاكاوتاني ترجمه أحمد أبو الخير ونشره في كتاب (رحيق العالم)

ـ "الذاكرة صندوق بريد، تضع فيه كل شيء، لكنك لا تُخرج منه إلا ما تريد، ثم تعود إليه بعد كل تلك السنوات لتجد أنه أصبح قديماً ومهترئاً بعض الشيء، فتنتابك قناعة بأنه لم يُفتَح كما يجب من قبل ولا لمرة واحدة، رغم أن بابه بقي موارباً، وفي لحظة ما بعد أن تكون قد تقدمت في السن، تدرك أن الصندوق قد أصبح بعيداً جداً، وراءك! وأن عليك الالتفاف والعودة إليه، ولكي تفعل ذلك، عليك أن تكون هشاً نوعاً ما، كما لو أنك تقود دراجة ضد الزمن، وأن تكون سريعاً خفيفاً تقفز فوق العُطَل والرحلات، وزيارات الأصدقاء والمواعيد، وأن تنفرد بنفسك، لأن الرحلة نحو الذاكرة هي دوماً لراكب واحد فقط، وقد لا يكون هناك من بقي حولك، ليؤنسك".

رياض نجيب الريس من مقدمة كتاب (صحافي المسافات الطويلة) الذي حاورته فيه سعاد جروس

"هل يمكن للأوراق الخضراء بأن تسقط من فوق الأفرع؟

شفت بعيني وما صدقت أوراقاً تترك أغصاناً في عز الظهر

أوراقاً خضر!

سألت العرافة قالت:

إن زاد عيار الكذب على منسوب عصارتها تسقط،

ولذا سقطت!

هكذا تكلمت الأشجار،

لا جدوى أن تلصق أوراقاً خضر على غصن جاف"

يسري خميس من قصيدة "تفسيرات منطقية وغير منطقية لشذوذ الطبيعة" المنشورة في ديوانه (أوراق البحيرات المرة)

ـ "العدو الحقيقي للفن هو الملل، إنه السم الهاري لأي عمل فني، ولكل شيء. إنه مثل سوس الخشب ينخر البناء ويجعله "بودرة" ما أن تلمس هيكله حتى يفترش الأرض متهالكاً تقول: والله كان هذا الحطام صندوقاً فنياً رائع الصنعة والجمال، أو كان مقعداً مريحاً، أو تحفة لا تعوض، قل ما تريد، "خلاص"، انتهى، دخلت فيه سوسة النخر، فلا حل هناك سوى أن تتخلص منه حتى لا ينتشر الوباء".

صافي ناز كاظم من كتاب (وما المسرح إلا دنيا صغيرة) الذي افتتحته بأبيات يسري خميس الموجودة في الفقرة السابقة  

ـ "أحس أنه موجود في الأفكار، في المشاعر، وفي كلمات الناس الآخرين، من هو، لا يعرف. لم يكن يمتلك الكلمات أو الأفكار التي تصف حالتها أو ماذا سيحل بها. كان يبدو له أن العالم يتيح بعض الأشياء ويحجب أشياء أخرى، وأنه ما من سبب ولا تفسير، لا عدالة أو أمل، بل لا شيء سوى الحاضر، ومن الأفضل تقبل ذلك".

من رواية (الدرب الضيق إلى مجاهل الشمال) لـ ريتشارد فلاناغان، ترجمة خالد الجبيلي

ـ "الشباب لا يعاني من انهيار في القيم العامة بمعايير الأيديولوجيا الوطنية، ولكن من تكأكؤ حملة القيم على رأسه من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كلهم يريد أن يفرض وصايته، سواء باسم الوطن أو الدين أو العدالة أو ما شاءت الإنتليجنسيا الاستبدادية أن تخترع، وقد آن لعقلية الوصاية الاستبدادية هذه أن تُدفن غير مأسوف عليها، آن لهذه الماكينة الثقافية الجهنمية أن توقف، مرة وإلى الأبد. كلا، ليس العالم فقيراً إلى هذا الحد، حد إجبارنا على الاختيار بين الأيديولوجية الوطنية وأيديولوجية الإسلام السياسي الشبيهة بها، أو غيرها من أيديولوجيات الهوية الاستعبادية، فهناك إمكانية، مجرد إمكانية لاستعادة القيم النضالية التحررية للحركة الماركسية: القيم التي تعني بتدريب الناس على المقاومة، التي تنزل إلى واقعهم البسيط، وتخلصهم من أيديولوجيات الهوية الاستبدادية التي ـ بدعوى رفعهم إلى مستوى قيم عظمى سرمدية ـ تستعبدهم ثم تنتهي بحامليها أنفسهم إلى أقصى درجات الاستبعاد، وكفى بالناصرية شهيداً".

من كتاب (سؤال الهوية: الهوية وسلطة المثقف في عصر ما بعد الحداثة) للدكتور شريف يونس

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.