ما بين انتصار الشعوب وانتصار الحكام
مع اختتام مباريات كأس العالم في قطر 2022، انتصرت الأرجنتين، مثلما انتصرت على الصعيد العربي المغرب بحصولها على المركز الرابع، لكن الانتصار الأكبر الذي لا يفوقه أهميةً، هو انتصار قطر، بنجاحها باستضافة هذا الحدث العالمي الكبير، لتنتصر معها دول الخليج العربي وشعوبها، ولينتصر بذلك العرب أجمعون.
لا أدرى إن كان الرئيس في دمشق قد تابع وقائع ما جرى من مباريات رياضية، وما تخللها من مواقف إنسانية وحضارية، فضلاً عن الانتصارات الكبيرة التي تحققت على صعيد الفرق المشاركة وشعوبها، أم على صعيد النجاح الكبير الذي حققته دولة قطر وشعبها، حيث لا أثر هنا لصورة رئيس، سوى وحدها أعلام الدول التي كانت تخفق في المكان، لم نشاهد طيلة أيام هذا الكرنفال الكروي ما يمكن مشاهدته من صور في فرقة حزبية أو مبنى حكومي سوري واحد.
ثم ماذا لو كان في مكان الرئيس الفرنسي، وهو يستعطف رضا اللاعبين الفرنسيين؟ لا أدري إن كانت لديه كهرباء في حينه لمشاهدة ذلك، حينما جاء لوراثة العرش في عام 2000 أُشيع أنه يكره المظاهر والابتذال، لدرجة أنه أوعز بعدم وضع صوره في الدوائر الرسمية والشوارع والساحات.
يقول الفقيه مونتسكيو "إن الحكومة في الرجال لا في القوانين" رجال يقودون شعوبهم نحو المستقبل الزاهر، لا نحو المجهول، لقد انتصرت الأرجنتين على جميع فرق العالم، دون أن نعلم من هو اسم الرئيس، ومثلها بقية الفرق الرياضية المشاركة الـ(32) لا بل شارك بهذه المباريات (352) لاعباً، عدا عن اللاعبين الاحتياط وكذلك الجمهور، لم نشاهد لاعباً أو مدرباً أو مسؤولاً أو متفرجاً من بين هذه الحشود، وضع صورة رئيس بلاده على صدره، أو قال إنه يهدي انتصاره للسيد الرئيس! كما يفعل بعض اليتامى السوريين.
لا أدري إن كان قد شاهد هؤلاء وأمثالهم ممن يخَوِّنون كل رأي مخالف، كيف امتنع لاعبو المنتخب الإيراني عن ترديد النشيد الوطني، تضامناً مع الاحتجاجات المناهضة للسلطة القمعية في بلادهم، واحتجاجاً على ما جرى من قتل واعتقال وتعذيب؟
لقد كشفت لنا هذه المنتخبات التي جاءت من جميع قارات العالم، على مدار شهر تقريباً، مقدار العطوب الكبيرة التي لحقت بالعقل السوري، وإلا كيف لنا أن نفسر قول فادي دباس رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم، إن المنتخب يلعب "باسم الرئيس"
لقد كشفت لنا هذه المنتخبات التي جاءت من جميع قارات العالم، على مدار شهر تقريباً، مقدار العطوب الكبيرة التي لحقت بالعقل السوري، وإلا كيف لنا أن نفسر قول فادي دباس رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم، إن المنتخب يلعب "باسم الرئيس" وإن ولاءه لبشار الأسد ونظامه، وفقاً لما أورده تقرير لشبكة ESPN ، وحينما سُئل دباس عن نجم نادي الكرامة الشهير جهاد قصاب، المعتقل منذ 19 أغسطس/آب 2014، والذي توفي لاحقاً في المعتقل أجاب: أنه لا يعرف شيئاً عنه، لا بل لم يسمع باسمه من قبل!.
أما كبير المدربين والمتحدث الرسمي باسم المنتخب، وفقاً للتقرير نفسه، فقد حضر إلى المؤتمر الصحافي بسنغافورة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مرتدياً قميصاً يحمل صورة بشار الأسد، في حين قام مدرب المنتخب فجر إبراهيم باستغلال منصة كأس العالم ليدعي أن "الأسد هو أفضل إنسان في العالم.. بدونه سورية ستصبح دماراً"، بالمقابل كان إبراهيم قد دعا إلى سحق المعارضة والمتظاهرين.
بدوره، زهير رمضان نقيب الفنانين السابق وعضو مجلس الشعب، وصف الفنانين المعارضين، في إحدى جلسات المجلس بأنهم غرباء، تجب محاسبتهم! مؤكداً "أنه أبلغ الأجهزة الأمنية عن الذين لديهم تصريحات ومواقف ضد الدولة السورية"، لذلك قامت النقابة بشطب عدد كبير منهم من قيودها.
في حين قامت نقابة "المحامين" بشطب العشرات من جداولها، أذكر أنه في عام 2012 وردتني رسالة من فرع نقابة المحامين بالسويداء، تقول إنه يجب عليّ القدوم للبلاد وإلا سيطبق بحقي قانون تنظيم المهنة، حين عودتي جرى إبلاغي بأنه يجب عليّ التوقف عن الكتابة في الصحافة، وإلا سيكون مصيري الشطب، وهو ما دعاني للانتقال إلى فرع آخر.
أما العميد بالحرس الجمهوري عصام زهر الدين، فقد هدد من خلال شاشة الإخبارية السورية في 11 سبتمبر/أيلول 2017 كل من غادر من السوريين بعدم التفكير بالعودة، قائلاً: "إن سامحتكم الدولة فلن ننسى ولن نسامح".
متى سيتعلم هؤلاء من الدروس؟ عندما فاز لاعبو منتخب ساحل العاج بالتأهل لكأس العالم عام 2000، قام قائد هذا المنتخب، بالجثو على ركبتيه متوسلاً لشعبه، أمام عدسات التلفزة العالمية بأن يوقف الحرب الأهلية في بلاده، داعياً لتوحيد الصفوف من أجل دعم المنتخب، وهو ما دعا طرفي النزاع للحوار، ومن ثم إيقاف هذه الحرب المجنونة، بعد مرور ثلاث سنوات على اشتعالها.
ختاماً، يقول الراحل محمد عابد الجابري: "لم ينهض العرب والمسلمون بعد، ولا إيران ولا غيرها من بلاد الإسلام، النهضة المطلوبة، والسبب أنهم لم يدفنوا في أنفسهم (أباهم) أردشير"، أعتقد أن ما قام به المنتخب الإيراني لكرة القدم أكبر دليل على أن الشعب الإيراني قد دفن في نفسه هذا الأب الطاغية، في حين بقي حياً في نفوس وعقول وأفئدة بعض السوريين.