لبنان بين وباءين: صحي واجتماعي
حلّت جائحة كورونا ضيفًا ثقيلًا على لبنان، مثله مثل الكثير من الدول في مختلف أنحاء الأرض، وفرضت الأزمة على الدولة اللبنانيّة إعلان حالة التعبئة العامّة والطوارئ الصحيّة لتخطّي المرحلة. لكنّ لسوء حظ اللبنانيين، شاءت الظروف أن تتقاطع أزمة حلول كورونا مع مرور البلاد بأسوأ انهيار مالي واقتصادي عرفته البلاد، حيث من المقرر حسب صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 25٪ هذا العام.
وانخفضت الواردات إلى النصف لأن القوة الشرائية اللبنانية تلاشت مع انهيار العملة المحلية، التي فقدت أكثر من 80٪ من قيمتها مقابل الدولار منذ العام الماضي، وهو ما أنتج محنة قاسية تختلف ظروفها عن الكثير من الدول التي تشهد اليوم أزمة انتشار جائحة كورونا.
فمن قطاع الاستشفاء الذي كان على حافّة الانهيار قبيل أزمة كورونا بفعل عدم توفّر الدولار لاستيراد المعدّات، إلى تراجع مخزون الأدوية لدى تجّار الدواء للسبب نفسه ولسبب تهريب الدواء المدعوم، وصولًا إلى المأساة المعيشيّة التي كان يعاني منها اللبنانيون بالأصل إضافة إلى الفراغ السياسي الموجود و اللاحس بالمسؤولية من قبل الطبقة الحاكمة والتلهي بشؤون الحصص وحماية المصالح ودخول البلاد في مرحلة الإقفال التام، كان هناك ما يكفي من عوامل لتكون البلاد في أصعب ظروف أمام الفيروس المستجد.
كورونا وقطاع الاستشفاء
في الأشهر الستّة الأخيرة، لم يستورد لبنان سوى 5% فقط من المستلزمات والمعدّات الطبيّة التي تحتاجها المستشفيات عادةً لعمليّاتها اليوميّة، بما فيها أبسط المواد الضروريّة مثل مواد التعقيم والتطهير والتجهيزات والمواد التي يحتاجها عادةً ذوو الأمراض المزمنة، وهي الفئة الأكثر تأثّرًا عادةً عند الإصابة بفايروس كورونا المستجد. وهكذا، دخلت البلاد أزمة كورونا بقطاع استشفائي هش وضعيف، يعاني حتى في تشغيل أجهزة التنفّس الاصطناعي الضروريّة لبعض حالات كورونا، والتي تبيّن لاحقًا أنّ 80% منها لا يعمل بسبب النقص في قطع الغيار المطلوبة لها.
وصولًا إلى المأساة المعيشيّة التي كان يعاني منها اللبنانيون بالأصل إضافة إلى الفراغ السياسي الموجود و اللاحس بالمسؤولية من قبل الطبقة الحاكمة والتلهي بشؤون الحصص وحماية المصالح ودخول البلاد في مرحلة الإقفال التام
هكذا، دخلت مستشفيات لبنان المعركة في وجه كورونا بلا سلاح، حتّى أنّ منظمة "هيومن رايتس واتش" رفعت الصوت محذّرةً من نقص اللوازم الضروريّة لمواجهة فيروس كورونا، ومعربةً عن قلق الطواقم التمريضيّة إزاء عجز الحكومة والمستشفيات عن توفير التجهيزات اللازمة لحماية العاملين في الحقل الطبي من الإصابة بالفيروس.
وباء اجتماعي واقتصادي
كانت البلاد على شفير الفقر المدقع منذ بداية العام، وقبل دخول فيروس كورونا وتبعات التعبئة العامّة على الخط. فالأرقام المتداولة كانت تفيد بتراجع أعمال الشركات التجاريّة بنسب تراوحت بين 70% و80% منذ بداية العام، فيما كان إقفال المؤسسات وانضمام الشباب إلى صفوف العاطلين عن العمل سيّد الموقف. وبحسب بعض الإحصاءات، بلغت نسبة المؤسسات التي أقفلت جراء الأزمة حدود 20%، فيما بلغت نسبة البطالة 40% وسط توقّعات ببلوغها مستوى 50%. وبشكل عام، يُقدّر عدد الذين باتوا دون خط الفقر بعد الانهيار الاقتصادي بحدود 1.3 مليون شخص. ومن تداعيات كورونا أيضا تراجع الناتج المحلي بما لا يقل عن 40%، وهو قابل لزيادة التراجع. وقد قدّر صندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد سينكمش مما يعادل 14500 دولار سنويًا في عام 2019 إلى 10900 دولار في عام 2020.
فشل الإدارة الاجتماعية
منذ اليوم الأول لبدء مشوار التعبئة العامة والإقفال الجزئي والتام، لم تكن السلطة على قدر المسؤولية فتحدثت عن فقاعات ووعود لم يلمس المواطن المتألم تلك الالتزامات.
فحسب منظمة "هيومن رايتس ووتش" إن نظام الحماية الاجتماعية في لبنان غير كاف على الإطلاق، مع انعدام الخدمات الأساسية. فذلك يؤدي إلى انعدام العدالة الاجتماعية، معززاً بشبكات الزبائنيّة والمحسوبية، مع سيطرة الأحزاب السياسية على الخدمات وتقديمها لمؤيديها.
للأسف الخطط الحكومية كالعادة لا تنطلق من خلال استراتيجية واضحة تأخذ بعين الاعتبار الواقع الصحي والاجتماعي فتنطلق من عين واحدة فقط. وذلك يؤدي إلى مزيد من الانفجار الاجتماعي والاقتصادي سنشهد تبعاته في الفترة القريبة المقبلة. وممكن القول أنّ الحلول دائماً تأتي على حساب المواطن وليس لحسابه، وكما بقول المثل اللبناني "دائماً العترة على الفقير".