قواعد عشق كريم يونس الأربعون
"حين وصل سعيد إلى مشارف حيفا، قادماً إليها بسيارته عن طريق القدس، أحسّ أنّ شيئاً ما يربط لسانه، فالتزم الصمت، وشعر بالأسى يتسلقه من الداخل".
(من رواية عائد إلى حيفا للروائي الفلسطيني غسان كنفاني).
ظهر الأسير الفلسطيني المحرّر كريم يونس على القنوات الفضائية وهو يضع الكوفية على كتفه بعد أربعين عاماً من الأسر، ليروي لنا تفاصيل الإفراج عنه، ونقله من قبل المخابرات الإسرائيلية بعد أن تسلّم أماناته المُودعة لديهم.
بعد أن تركوه في الخارج، تواصل مع عمال فلسطينيين في محطة الحافلات ليسألهم عن موقعه الجغرافي، ثم طلب منهم هاتفاً للتواصل مع أخيه الذي طلب منه البقاء في مكانه، واصفاً شعوره عند صعوده السيارة بالغريب، قائلاً: "منذ أربعين عاماً لم أجلس على مقعد.. أغلب الأماكن كانت صلبة".
والأسير المحرّر من قرية عارة، وبدأت الاحتفالات عند وصوله، وتمّ نصب الخيم لاستقبال الضيوف المباركين والفرحين من كلّ الأراضي الفلسطينية بخروج هذا البطل. كما اتصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مهنئاً بسلامته وصموده ونضاله.
وكان أول مكان قرّر كريم زيارته هو قبر أمه التي وافتها المنية وهو في السجن وستبقى أمه أجمل الأمهات.
دخل كريم السجن شاباً وخرج منه رجلاً أشيب، يضع نظارة أمام عينيه. وكانت تهمته الانتماء لحركة فتح المحظورة سابقاً وحيازة أسلحة وقتل إسرائيليين...
عندما تسمع حكاية كريم تعود بك الذاكرة إلى الماضي، إلى عصر أهل الكهف ونومهم الطويل بسبب ظلم الحاكم. استيقظ رجال الكهف بعد 309 أيام. وعندما خرج أحدهم لإحضار الطعام عرف الحقيقة وعاد إلى الكهف وطلب من الآلهة طلبه.
يا كريم... حكمتنا أنظمة عربية لمدّة أربعين عاماً، ومارست معنا كافة صنوف أسلحة التخلّف السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
يا كريم... حُكمنا بالشعارات والتصفيق ونهب الثروات...
يا كريم... قال بدوي الجبل "نحن موتى من شرّ ما ابتدع الطغيان".
يا كريم... هنالك دول خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمرة، وبعد ربع قرن نهضت وغيّرت مجرى تاريخها (اليابان على سبيل المثال لا الحصر)، وهي اليوم بمصاف الدول المتقدمة، ومن الدول الثماني الصناعية.
واليوم، بعد أربعين عاماً، تختار إسرائيل التوقيت الذي يناسبها للإفراج عن الأسير كريم يونس، وإبقاء الشهيد الأسير ناصر أبو حميد في ثلاجات الاحتلال لإكمال مؤبداته السبعة، وهذه الممارسات ليست غريبة عن دولة الاحتلال المعروفة بإرهابها وعنصريتها.
كتبت الكاتبة الروائية التركية أليف شفق، في رواية قواعد العشق الأربعون: "لا يعني الصبر أن تتحمل المصاعب سلباً بل يعني أن تكون بعيد النظر".
وكانت قواعد عشق كريم يونس الأربعون هي أماكنه المقدسة (المسجد الأقصى، بيت لحم)، مدنه، وقراه، أرضه، وشجرة الزيتون، تراثه وعاداته وتقاليده، بيوته التي يسكنها الحب الإلهي.