قصة مسلسلة: مروان والمرأة المولولة (2)

13 مارس 2018
+ الخط -
حدثتكم في تدوينة سابقة عن رجل اسمه مروان، عانى، في إحدى الليالي، من الأرق، بينما زوجته بجواره تغط في نوم عميق. مروان، مع مرور وقت الليل، اتجه بكيانه إلى الشارع المجاور لنافذته، عسى أن يسمع منه ما يحرك مشاعره فيملأ الوقت المتبقي حتى انبلاج الفجر، فلم يسمع صوتاً ولا نأمة، فقال لنفسه نادباً:

- الليلة بالذات ما في حدا. على حظي تحضّر المتحاربون، فلم يعد الجيش الباسل يطلق قذائف مدفعيته على السكان النائمين في المناطق الثائرة، وليس هناك رشقات متقطعة بالبواريد الروسية، وما عدنا نسمع عواء الكلاب، ولا تشحيط فرامات سيارة ابن مسؤول، ولا مشاجرة بين الزعران الذين اتخذوا طيلة الصيف من الكلاب قدوةً، فصاروا يسهرون الليل وينامون النهار، ولا شغل لهم ولا عمل، ولماذا يشتغلون إذا كان تعفيش بيت في المناطق المنكوبة، خلال ساعتين، يكفي للعيش والصرف على الملذات الشخصية ثلاثين يوماً.


قال الحكواتي: المهم، أصاخ مروان السمع إلى أن تحول الصمت في أذنيه إلى صفير طال حتى اختلط بولاويل امرأة مفجوعة أوقفته على قدميه باستعداد.

كان يحسب أن زوجته سوف تستيقظ قبله، باعتبار أن الولاويل هي أولى الأبجديات التي اخترعتها النساء منذ بدايات تعرضهن للظلم والقهر في عمق التاريخ. المهم، نظر مروان إلى وجه زوجته (الحكواتي قال "محياها"، وهذا خطأ، فالمحيا مفردة تُستخدم في الغزل حصراً!) فوجدها أكثر نعومة ودعةً وغطيطاً وشخيراً من ذي قبل، فارتدى ثيابه على عجل، ونزل إلى الشارع، فوجد الشارعَ نائماً، (مطنشاً) عن استغاثة المرأة، ناسياً أن ولولة أقل من هذه بكثير أطلقتها إحدى جداتنا قائلة: "وا معتصمااه" جعلت الألجمة تقعقع، والسيوفَ تبرق، والغبارَ يملأ الجوزاء و: (خميسٌ بشرق الأرض والغرب زحفه/ وفي أذن الجوزاء منه زمازمُ) يخرج للذود عنها قائلاً:
- لبيك أيتها الحرة التي تموت ولا تأكل بثديها.

خلاصتها، قال الحكواتي، دبت النخوة العروبية في رأس أخينا مروان، فشرع يركض باتجاه الصوت مغالباً القطران والنيكوتين والشحوم الثلاثية المعششة في دورته الدموية بسبب الإفراط في التدخين، وتُتَرجم أثناء الجري إلى سعال ولهاث،.. دواليك وهلمجراً.. حتى بلغ بيتاً مضاء ولكن بابه مقفل وأصوات مشادة كلامية تجري خلفه يشارك فيها شخصان أو أكثر، أحدهم المرأة المولولة،.. وكانت تقول بالحرف الواحد:
- يا شحاري ي ي..
انشدَّت الأبصار باتجاه الحكواتي، فاستغل الفرصة وراح يشرح لهم قائلاً:
- شحاري يا إخوان هي مفردة فصيحة، وهي شبيهة بالسخام، واستخداماتها لا تحصى، ومنها على سبيل المقال أغنية لمطربة حلوة تقول:
شحاري عليك
يا مدلل أهلك شو سويت
آه يا نوراني
حبك عماني وما في بيت!
ومنها، أيضاً، جملة مفيدة تامة الأركان تقولها زوجة مروان لكل من يسألها عن حالها معه: "عيشة مشحرة والسلام".

قال الحكواتي لمروان: ما حكايتك يا أخا العرب؟ ألن تهب لنصرة المرأة المولولة، مثلما فعل الخليفة المعتصم؟
قال مروان: قبل أن أهب، وقبل أن أنصر المرأة، أحب أن أعرف، هل حكاية المعتصم والمرأة المولولة صحيحة ومثبتة، أم أن المؤرخين يضحكون علينا كالعادة؟
دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...