قصة العنصرية من الجنس الآري إلى الشوكولامو

10 يوليو 2023
+ الخط -

في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، في عام 1853 تحديداً، قام الأرستقراطي الفرنسي أرتور دي جوبينو بنشر كتاب بعنوان "مقال في عدم تساوي الأجناس البشرية"، وهو الكتاب الأوّل الذي جاء من أجل إرساء قواعد النظرية الآرية في متن نصّي مكتوب، حيثُ أعلن فيه تفوّق الجنس الآري على بقية الأجناس البيضاء الأخرى[1].

إنّ الفكرة العنصرية القائلة بتفوّق الجنس الآري التي يدعو إليها الكتاب السابق، هي فكرة لم تبدأ في العصر الحديث، فلها جذور تعود إلى عصور سابقة بكثير عن العصر الحديث، وإلى أزمنة اعتقدت فيها شعوب قديمة مثل: اليونان، وبابل، وآشور، ومصر، والفرس أنها أرقى جنساً وعرقاً عن غيرها من الشعوب الأخرى.

ورغم أنّ الفكرة العنصرية لم تبدأ في العصر الحديث، ولها جذور تمتد إلى أزمنة وعصور سابقة، فإنّ ظهورها كسياسة تمييزية بين البشر قد بدأ في العصر الحديث، فسياسة التمييز العنصري في هذا العصر، ظهرت بشكل واضح عند الألمان واليهود، وجرى استخدام نظريات النقاء العنصري التي تؤكّد على تمييز الجنس الآري أو السامي على غيرهما من الأجناس والأعراق، من أجل تبرير الجرائم التي ارتكبتها كل من النازية الألمانية أو السامية اليهودية في حقّ شعوب البلدان التي احتلتها، وأبادت سكانها لأنها رأت فيهم عرقاً أقلّ وجنساً أدنى[2].

إنّ نظريات النقاء والتفوّق الجنسي، التي شهدها العصر الحديث، هي نظريات ارتبطت بالاستعمار ومهدت الطريق إليه، فهي نظريات أعطت الحقّ للشعوب من أصحاب الأجناس المتفوقة لاستعمار الشعوب واحتلالها وسرقة مواردها، لأنّ الأجناس المتفوقة بحسبها تتمتع بصفات عقلية وروحية لا تتمتع بها بقية الأجناس، وهي النبع الأوحد والأعظم للحضارة.

الاستعمار في العصر الحديث هو من أهم أسباب العنصرية، وهو الأمر الذي أكده إعلان الأمم المتحدة، والذي قرّر بأنّ الاستعمار أدى إلى العنصرية، والتمييز العنصري، وكره الآخر، فبحسبه، فإنّ الأفريقيين، والذين ينحدرون من أصل أفريقي أو آسيوي، والشعوب الأصلية، كلّهم كانوا ضحايا للاستعمار وما زالوا ضحايا لآثاره، والسياسة الاستعمارية هي من أبرز العوامل التي ساهمت وما زالت تُساهم في عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، السائدة والمستمرة في كثير من أنحاء العالم[3].

رغمَ أنّ الفكرة العنصرية لم تبدأ في العصر الحديث، ولها جذور تمتد إلى أزمنة وعصور سابقة، فإنّ ظهورها كسياسة تمييزية بين البشر قد بدأ في العصر الحديث

إنّ المنطقة العربية من المناطق التي ورثت العنصرية من العهود الاستعمارية في العصر الحديث، فالأقطار العربية شهدت في تلك العهود ممارسات كريهة وبغيضة ذات مضمون عنصري من المستعمِرين، كما شهدت استخدامهم أشكالاً مختلفة من القوة وأساليب القهر ضدّ الأهالي والسكان، هذا بالإضافة إلى التشريعات والقوانين التمييزية التي أقرّها المستعمِرون بقصد خدمة مجتمع الاستعمار، والتمييز ضدّ الأهالي والسكان الأصليين[4].

تعددت مظاهر العنصرية التي ظهرت في المنطقة العربية كترسبات من الحقبة الاستعمارية، وكانت العنصرية ضدّ اللاجئين من أبرزها، وأكثرها خطورة، فخطر هذه العنصرية يتأتى من أنّ ممارسيها، يستهدفون تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق وحريات اللاجئين في دولهم المضيفة، ويستخدمون وسائل الضغط المختلفة، من أجل دفع حكومات دولهم إلى قوننة الممارسات العنصرية ضدّ اللاجئين، ووضعها في التشريعات والقوانين الرسمية في الدولة.

يُمكن قراءة وتفسير العنصرية التي يُمارسها مواطنو الدول المضيفة ضدّ اللاجئين في دولهم، في اتجاهين اثنين؛ الاتجاه النفسي الذي يفسّر هذه الظاهرة بأنّها تأتي نتيجة شعور المواطن في البلد المضيف بمجموعة من الصراعات النفسية، أبرزها الخوف والخطر من اللاجئ، باعتبار أنّ هذا الأخير سيأخذ حقوقه ومكانته في بلده، وهو ما يدفع به نحو مهاجمته بشتى الطرق من أجل التعبير عن رفضه له، والتأكيد أنّ له المكانة العليا في وطنه، ويُمكن النظر إلى هذا التصرّف باعتباره نوعاً من الأنانية التي يعاني منها بعض الأفراد.

أما الاتجاه الثاني في قراءة وتفسير العنصرية ضدّ اللاجئين، فهو الاتجاه الاجتماعي، وهو الذي يُفسّر هذه الظاهرة، بالرجوع إلى كيفية التنشئة الاجتماعية والثقافية للأفراد من مواطني البلد المضيف، وبحسب هذا الاتجاه، فإنّ هناك العديد من الأفراد في أي مجتمع، ممن تلقوا تربية سيئة، تقوم على عدم مشاركة الناس الآخرين، وهو ما يولّد لديهم شعوراً بالأنانية والأفضلية على غيرهم، حيثُ إن هذا الشعور يدفع بهم إلى إيذاء اللاجئ الوافد إليهم بشتى الطرق المادية (الضرب والإيذاء الجسدي)، والمعنوية (الشتم والإساءة بالألفاظ)[5].

وبناءً على ذلك، فإنّه يُمكن الاعتماد على الاتجاهين السابقين في فهم التصريحات العنصرية التي جاءت بها الإعلامية اللبنانية نضال الأحمدية مؤخراً، ضدّ اللاجئين السوريين في لبنان، وقالت فيها إنّ اللاجئ السوري تعلّم منذ وفوده إلى لبنان قول صباح الخير بالفرنسية (بونجور)، واستغربت من لاجئ سوري لا يعرف حلوى "الشوكولامو".

 يُمكن القول إن الصبغة العنصرية التي صُبغَت بها السياسة الرسمية في لبنان منذ مرحلة ما بعد النكبة، وظهرت في تصريحات معظم المسؤولين الرسميين والحزبيين والمرجعيات الدينية المؤثرة، الذين أعلنوا رفضهم حلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين على حساب لبنان؛ هذه الصبغة رسّخت بشكل أو بآخر الأفكار العنصرية في عقول بعض المواطنين اللبنانيين تجاه اللاجئين الآخرين الوافدين إليهم، وعملت على زيادة مستويات شعورهم بالخوف والخطر من اللاجئ القادم إليهم من دول أخرى، كما عملت على تنمية شعورهم الداخلي بالأفضلية والأنانية عن غيرهم، وهو الأمر الذي بات يظهر بشكل واضح في كيفية تعاملهم مع اللاجئين السوريين، الذين قدموا إلى لبنان بأعداد كبيرة منذ تفجّر الثورة السورية.

إنّ هذه التصريحات والموجات العنصرية التي تنبثق من حين إلى آخر تجاه اللاجئين السوريين، وتتفاوت في حجم حدّتها، ويختلف مطلقوها ودعاتها، لهيَ الدليل الأكبر على أنّ هناك أكثر من طريقة لإحياء نظريات تفوّق العِرق الآري في المجتمعات البشرية، فيكفي أن تحضر الصبغة العنصرية في السياسة الرسمية لأي دولة، حتى يتفشى داؤها في عقول ونفوس الكثير من مواطنيها، فينظرون إلى غيرهم من اللاجئين باعتبارهم كائنات أدنى، ساهموا هم في الارتقاء بهم، باعتبارهم -كما ادعى فلاسفة ومنظرو تفوّق الأجناس والأعراق في فترات زمنية سابقة- النبع الأوحد والأعظم للحضارة!


[1] جوان كوماس، خرافات عن الأجناس، ترجمة: محمد رياض، مصر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012، ص45.

[2]غادة أحمد الغنيمي، العنصرية أسبابها ومظاهرها في العالم المعاصر، "مالكوم إكس نموذجاً"، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بدمنهور، ج4، عدد5، 2020، ص108-109.

[3]  المرجع السابق، 106.

[4]  حسان زهار، العنصرية بوجهها العربي.. الجزائر نموذجاً (2-2)، عربي 21، 18/7/2020، https://bit.ly/4470yIV

[5] يوسف مهيوب، اصطدام اللاجئين بواقع العنصرية ودور المجتمع المدني في مواجهة هذه الظاهرة -دراسة تحليلية-، مجلة حقوق الإنسان والحريات العامة، مج1، عدد1، 2016، ص255-256.