قائد الكتيبة الذي وقف فوق البرميل
قال كمال إن "أبو الجود" يعمل، خلال سهرات الإمتاع والمؤانسة، على طريقة السيدة شهرزاد في حكاية "ألف ليلة وليلة"، فحينما يُدرك أن حكايته بلغت ذروةَ المتعة والتشويق، يتوقف ويقول: بدنا كاس شاي، نشف ريقنا.
أبو جهاد: الله يسامحك يا أستاذ كمال. على حسب ما قرينا في كتاب ألف ليلة وليلة إنه هاي شهرزاد كانت مَرَا (بتقول للقمر غيب لحتى إقعد مطرحك رقيب)، بينما أبو الجود بيخوّف!
كمال: يا أبو جهاد اعتراضك رائع، لكن أنا مقارنتي ما إلها علاقة بالجمال، وبعرف إنه المقارنة الجمالية بين أبو الجود وأي امرأة راح تؤدي لهزيمته! وإذا انهزم أبو الجود متلما انهزم "مرسي الزناتي" بترجع سهرتنا للمربع الأول اللي حكى عنه العضو خالد العبود.
أبو الجود: طيب يا أستاذ كمال، أنا بعترف إني من ناحية الجمال تحت الصفر، يعني متل أبو جهاد تماماً! لكن بالحكي أنا معلم، ومستعد هلق أرجّعكم للمربع الأول، بشرط تعطيني فرصة إركب الحديث شي ربع ساعة.
أبو محمد: بس ربع ساعة؟ أنا من جهتي بعطيك السهرة كلها. تفضل.
أبو الجود: كنا في السهرة الماضية عم نحكي عن الفقر الأسود اللي كان يتمتع فيه والدي الله يرحمه، والفقر الأسود خلاه يصير بخيل، لأنه إذا الواحد فقير وكريم ما بيستغرق عشرة أيام حتى يشيل (الكُوْلَكْ) ويطلع على الشحادة. وأنا هلق عم أفكر بشغلة ما خطرت لي لما كنت زغير..
خالي خالد: والله ما بعرف، بس هيك صاروا يقولوا في الخطابات، شي ساعتين والمقعد عم ينخز فيني من ورا.. قمت وقفت وعيشت حافظ الأسد.. وعينك يا أبو الجود ما تشوف إلا الخير، الكل صاروا يعيشوا، وصارت فوضى وتوقفت الخطابات
حنان: بأيش عم تفكر؟
أبو الجود: عم أفكر إني لما طلبتْ من أبوي خرجية وصار يصفّر، ومد إيده ع جيبه وصار يبحبش، كان عم يعمل هالشي حتى يضيّع الوقت، وبظن إنه تْقَصَّدْ يوقّع العشر قروش (الفرنكين) ع الأرض، وركض وراها باتجاه العتبة، وبطريقه رفس صحن الرز بحليب برجله وخلاه ينكبّ في حضن أمي، على أمل تصير فوضى وقرقعة وصياح، وإني إنصاب أنا بصدمة، وإستغني عن الخرجية، نعم، وحتى يكبّر القصة صار يبهدل أمي، ويتهمها بأنها سبب كل المشكلة، مع أنها، المسكينة، ما تصرفت لا صح ولا غلط، ولما قالت له (يا أبو عبد المجيد أنا أشو عملت لك حتى عم تبهدلني؟)، قال لها: بصراحة؟ هلق ما عملتي لي شي، بس اللي صار إنه كل الهبال والجنون والصَرَع الموجود في عيلتك انتقل لعيلتي بالوراثة، وشوفة عينك، هادا الجحش "أبو الجود"، كلما دق الكوز بالجرة بيفتح لي إيده متل جرن حمام المحمودية وبيقلي (ياب عطيني خرجية)، بتعرفي ليش؟ لأنه مسطول.
أم الجود: يا زوجي العزيز، كلام والدك الله يرحمه مظبوط، إنته من كم يوم حكيت لنا على خالك خالد اللي كان متطوع في الجيش، ورتبته نقيب، وطقّ عقله وأجا عالضيعة وهوي حالق شعره، وصار يعيّش صدام حسين ومعمر القذافي. يعني عيلة أمك فيها هَبَل.
أبو الجود: عم تحكي مرتي على أساس سلالة أهلها صافية متل دمع العين. على كل حال يا مرتي الله لا يحيجك للذكا والفهم.
أبو ماهر: شو حكت أختنا أم الجود لحتى بلشت فيها؟ أنا شايف كلامها منطقي.
أبو الجود: يا سيدي مو منطقي ولا شي، لأنه خالي خالد بعمره ما كان مجنون، بالعكس، يمكن ما في أعقل منه بكل منطقتنا. بس هني جننوه. أنا ما حكيت لكم شلون أخدوه عالفرع وحطوه في المنفردة بعدين صاروا يضربوه حتى يعترف إنه كتب غير موافق على انتخاب حافظ الأسد؟
أبو ماهر: مبلى. حكيت.
أبو الجود: نحن سمعنا الحكاية بوقتها من جدي الله يرحمه، وهلق راح إحكي لكم القصة متلما سمعتها أنا من خالي خالد. قلت له ونحن رايحين على كرم التين: أي خال. احكي لي. ليش سرحوك من الجيش؟ وأشو قصة تعييشك لمعمر القذافي وصدام حسين؟
قال لي: والله يا أبو الجود أنا كنت عايش في الكتيبة تبعي بأمان الرحمن، وعم إستنى لتجي قائمة الترفيعات من القيادة، عسى إنه إترفع بعدما تأخر ترفيعي سنتين. وبهالفترة صار في انتخابات. هيي مو انتخابات، استفتاء، بدهم يمددوا لحافظ الأسد سبع سنين متل العادة. وبلشت الاجتماعات والاحتفالات وكل شوي يصيحوا علينا بالميكروفون اجتماع في القيادة، ونركض على مبنى القيادة، وهناك الضباط الكبار يقعدوا ع كراسي الجلد، ونحن الضباط الزغار يقعدونا عَ كراسي دَفّ، ومن كتر ما الخشب قاسي كنا نحس بوجع في مؤخراتنا، ويبلشوا خطابات على أنه حافظ الأسد بنى، وعَمَّر، وشَقّ..
قلت: أشو يعني "شق"؟
خالي خالد: يعني شق طرقات، واستورد، وصدر، وحرر القنيطرة، وحرر الجولان، وبده يحرر فلسطين والقدس وجزيرة الطنب..
قلت له: وأشو هاي الطنب كمان؟
خالي خالد: والله ما بعرف، بس هيك صاروا يقولوا في الخطابات، شي ساعتين والمقعد عم ينخز فيني من ورا.. قمت وقفت وعيشت حافظ الأسد.. وعينك يا أبو الجود ما تشوف إلا الخير، الكل صاروا يعيشوا، وصارت فوضى وتوقفت الخطابات، ووقف واحد معروف عنه بيكتب تقارير بالضباط، وصار يلقي شعر عن البعث والعروبة وحافظ والتقدم والمواجهة والتطهير..
سألته: أشو هادا التطهير؟
خالي خالد: لا يروح ذهنك لبعيد، هوي ما بيقصد تطهير الولاد، بيقصد تطهير الجولان من رجز الصهاينة الأنجاس، وتطهير فلسطين والطنب وكل هدول.. ونزلوا الضباط من قاعة الاجتماعات وبلشوا يدبكوا في الساحة.. العساكر شافونا من بَرَّاكياتهم ومن الخيم، وقالوا لحالهم إذا كان الضباط الكبار الفهمانين عم يدبكوا، بقى نحن إذا منركض ومنعنفص على البيادر متل الجحاش الزغار ما حدا بيلومنا! وخلال ربع ساعة يا أبو الجود ما عادت الساحة توسعنا، اختلطوا الضباط الكبار بالمجندين اللي طول النهار بينهانوا وبتنمسح فيهم الأرض، وبعد كل هالهيصة والزنبريطة ركض تنين من العناصر على برميل فاضي كنا نعبي فيه فيول للدبابات (ولولين)، قلبوه على قفاه، وركضوا تنين تانيين شالوا قائد الكتيبة وحطوه فوق البرميل.. هون يا عين خالك صارت مشكلة ما كانت على البال ولا ع الخاطر.
وسكت أبو الجود.
قال كمال: هلق إذا بتسأل أبو الجود أيش صار بعدين، بيعمل متل شهرزاد وبيقول لك (ريقنا نشف هاتوا لنا كاس شاي).
أبو الجود: عن جد هادا اللي صار. منكمل الحكاية بعدين.