في احتفال الحزب الشيوعي
أوشكنا، في سهرة الإمتاع والمؤانسة، على العودة إلى حكايات الفتى ذي الأطوار الغريبة سلمون، لولا أنْ تدخلَ الأستاذ كمال، طالباً أن نأذن له برواية حكاية عن أحد احتفالات الحزب الشيوعي السوري.
قال: بصراحة هالحكاية خطرت على بالي بعدما سمعت الحكاية اللي رواها أبو الجود عن عزيزة هانم "الناصرية" زوجة الإقطاعي المُؤَمَّم عزو آغا.
وافق الجميع على تأجيل حكايات سلمون، وبما أنني موكل بتنظيم مسارات السهرة، وتدوينها، ونقلها إلى قراء المدونة، فقد قلت: المبدأْ الرئيسي لسهرتنا صار معروفْ للجميع، وهوي: الشيء بالشيء يذكر، وفي مبدأ تاني بيقول: الكف في رواية الحكايات لمن سَطَرُه. يعني الأستاذ كمال بيحسنْ يبدا يحكي حكايته، بأسلوبه المشوق، بهالحالة نحن راح نتشوق ونصغي إله. تفضل.
كمال: بعد إطلاق مبدأ الجلاسنوست، والبروسترويكا، وتفكك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشيوعية في أوروبا الشرقية، ظهر تيار ضمن الأحزاب الشيوعية العربية ميال للديمقراطية والانفتاح.. و..
أبو محمد: أح إحم..
أبو الجود: كنت بدي إسعل لك، وأقول لك إنه لا تدخّلنا بالفلسفة، لكن أبو محمد سبقني وسعل لك. شوف خيو إذا بدك تحكي لنا شي ما منفهمه استنى لنتعشى وننسحب، ويبقى إنتوا الفهمانين اسهروا مع بعضكم وتسلوا.
كمال: السهرة بدونكم مو حلوة. خيو أنا راح أبسّط الموضوع. الاتحاد السوفييتي، يا عمي أبو محمد، كان عبارة عن اتحاد عدة دول بقيادة سلطة مركزية مقرها موسكو، وهيي سلطة مستبدة بالطبع. وكان كل شي عندهم خاضع للرقابة الصارمة، وممنوع يكون في المعارضة، اللي بيعارض خاين بالضرورة، والخاين بتسحبه المخابرات من بيته وما حدا بيعرف وين أراضيه. وكانوا يعينوا رئيس السلطة السوفييتية، يعني رئيس الجمهورية، من القادرين على تمثيل هالسلطة الحديدية المرعبة. ومرة من المرات، في التمانينات، عينوا رئيس اسمه غورباتشوف، رجل متشبع بقيم الحضارة الغربية، فقال لهم: بدنا نعمل شفافية، وعلنية، وإصلاح، وديمقراطية، وحريات فردية، وصحافة، و..
بلشت تعلق ع السيدات اللي بيمرقوا من قدامنا بصوت هامس، وكلما تمر وحدة تقول لحنان: شايفة هالرفيقة الشيوعية؟ يي عليها، ما عندها جنس الحلاوة ولا الجمال، إذا بيفحصوها ما بتجيب عشرين بالمية إلا بالواسطة..
المهم تحرك الصراع داخل البلاد، وصار في غليان وثورات داخلية أدت لتفكك الاتحاد السوفييتي، وبقيت روسيا (اللي هلق عم تقتل الشعب السوري وبتحاول منعه من تحقيق حريته) لحالها، وبقية دول الاتحاد السوفييتي استقلت.
أم زاهر: على أساس بدك تحكي عن الحزب الشيوعي السوري.. وين أخدتنا؟
كمال: النكتة اللي كانت متداولة في هديكة الأيام، يا ست أم زاهر، إنه لما بيهطل مطر في الاتحاد السوفييتي بتلاقي الرفاق الشيوعيين في سورية شايلين الشماسي! ويبدو إنه حب الديمقراطية كان موجود عند بعض الرفاق الشيوعيين السوريين، بس كانوا مخبايين حبهم للديمقراطية في داخلهم، إلى أن ظهر غورباتشوف، وبوقتها صرنا نسمع في سورية عن رفاق شيوعيين عم يطالبوا بالديمقراطية، وصار في صراع جوات الحزب الشيوعي أدى لانقسامه، وبنتيجة الانقسام صار في مجموعة شيوعية بيقودها يوسف فيصل ومعه مجموعة من الرفاق متل دانيال نعمة ونبيه رشيدات وعطية مسوح وعبد الكريم أبا زيد ومحمود الوهب وآخرين، هدول صاروا يمثلوا الشيوعيين الديمقراطيين، وهون أنا بدي أعتذر عن طول المقدمة، وبوعدكم إني إدخل في صلب الحكاية تبع المرأة الناصرية.
أبو زاهر: عفواً أستاذ كمال، الحكاية تبعك كمان فيها امرأة ناصرية متل زوجة عزو آغا؟
كمال: جاييك بالحكي، بس اصبُر علي. المهم، هدول الجماعة الديمقراطيين عملوا انفتاح على المثقفين غير الشيوعيين، وصاروا لما يعملوا احتفال بمناسبة معينة يدعوا بعض المثقفين من برات الحزب للحضور، أنا مثلاً حضرت عدد منيح من احتفالاتهم، وأبو مرداس كان يحضر، والشاعرين علي الجندي وممدوح عدوان، إلى آخره. وفي مرة من المرات كان في احتفال بعيد المرأة العالمي اللي بيصادف يوم 8 آذار/ مارس، وتلقينا أنا وزوجتي حنان دعوة للحضور، رحنا. هناك، في الاحتفال، تعرفنا على سيدة شامية أعتقد أنها خبيرة بالجمال والأناقة وهيك شي، يا إما هيي منصبة نفسها خبيرة جمال، ولذلك كانت المقاييس الجمالية اللي عندها صارمة ومتشددة، ومن الصعوبة بمكان إنها تعجبها امرأة..
أبو زاهر: أنا ما فهمت، أشو علاقة الجمال بهيك حفلة؟
كمال: ما في أي علاقة. الاحتفال إله طابع ثقافي وإنساني بحت. لكن هاي المرأة بلشت تحكي عن الجمال، وهي مو بس ما بتعجبها أي امرأة، كمان صارت تربط الجمال بالأيديولوجيا، وبلشت تعلق ع السيدات اللي بيمرقوا من قدامنا بصوت هامس، وكلما تمر وحدة تقول لحنان: شايفة هالرفيقة الشيوعية؟ يي عليها، ما عندها جنس الحلاوة ولا الجمال، إذا بيفحصوها ما بتجيب عشرين بالمية إلا بالواسطة..
ولما تشوف زوج هاي المرأة عم يتعامل معها بشكل حضاري تقول إلي ولحنان: وفوق كل بشاعتها ضابعتُه للرفيق زوجها، ليكي هوي أحلى منها، ومع هيك ما بيسترجي يتفلحص قدامها.. شايفة هديكه الرفيقة اللي عم تقدم ورد للضيوف؟ ولي على قامتها، ما فيها نقطة جمال ينحكى فيها.. يا ساتر. بتخوف.
وبقيت عم تعلق عالداخلة والطالعة متل عدنان بوظو، حتى وصلت لنتيجة جامعة ومانعة وقاطعة، ملخصها إن الحزب الشيوعي السوري إذا كان كله على هالمنوال معناها ما فيه امرأة واحدة بتقول لقلب الرجل (طَقْ)..
أبو محمد: طيب إنته والست حنان أيش كان جوابكم..
حنان: أول شي أنا حاولت أسكتها، ما قدرت، بعدين صرت إختلف معها بالرأي، لأن الصبايا اللي كانت عم توصفهم كل وحدة منهن عندها جمال خاص، يعني مو جمال من المعايير السائدة، وقلت لها إنه الجمال مسألة نسبية، بحسب الشخص الآخر، اللي هوي زوجها، يعني لولا زوجها شايفها حلوة ما تزوجها.. وعلى كل حال مو هون النكتة.. خلي كمال يحكي لكم شو صار بعدين.
كمال: أنا أكتر شي لقيته طريفْ في شخصية هاي السيدة هو ربط الجمال بالأيديولوجيا.. وفي لحظة من اللحظات دخلت صبية غاية في الجمال.. يعني إذا بتطبق عليها المعايير الدارجة بتلاقيها جميلة جداً، وحتى بالمعايير الخاصة جميلة جداً. السيدة اللي كانت عم تعلق لما شافتها انبهرت، وقالت لحنان: ياي، هالمَرَا شو جميلة!
هون أنا استغليت الفرصة وقلت لها: بالفعل، جميلة جداً، بس يكون في علمك إنها ناصرية!