عيدية مباركة... أكل وشرب وحكي

05 يونيو 2019
+ الخط -
دعانا الأستاذ "أبو بدر" إلى عقد سهرة الإمتاع والمؤانسة في المطعم الذي افتتحه في منطقة (Batışehir) في ثاني أيام العيد. أبو الجود أبدى حماسة كبيرة لهذه الفكرة، وسوغ وجهة نظره بالقول:

- يا سلام! هلق نحن في شهر حزيران يونيو، ودرجة الحرارة بلشتْ ترتفع، وحسب ما سمعت إنو مطعم أبو بدر في إِلُو تِيْرَّاسْ، يعني منقعدْ بره عَ الرصيفْ، وطول ما نحن قاعدين مناكل ومنتحلى ومنشرب شاي وقهوة، ولما بيكون الفم متوقف عن الأكل ممكنْ نحكي قصص وحكايات ومنعملْ- على قولة أبو المراديس- إمتاع ومؤانسة.

قلت: مو أنا اللي أوجدتْ مصطلح إمتاع ومؤانسة وإنما اللي أبدعو هوي أستاذْنا الأديب الكبير أبو حيان التوحيدي، وأَلَّفْ كتابْ كبيرْ بيحمل اسم (الإمتاع والمؤانسة).


قال أبو جهاد: على حسب ما حكى أبو الجود إنو ناكل ونشرب شاي بشكل مستمر.. وإذا صار معنا وقت منحكي! أنا براهن أنو أبو الجود راح يبقى اليوم ع الصامتْ! لأنو شوفوا شلونْ حَنَكُو دايرْ مت طاحونة الحاج أحمد عبود الله يرحمو.

قال العم أبو محمد: كل مرة بتساووا فينا هيك. منكون واقفينْ عند قصة، وبدنا نكملها، بتدخلوا في غير قصة وبتضيعونا. يا أبو الجود إذا سمحتْ وَقِّفْ الطاحونة تبعك وكمل لنا قصة عمشاجرتك مع عامل المقسم لما كان عم يتنصت عمكالمتك مع ابنك.

قال أبو الجود: أنا تحت أمر عمي أبو محمد. يا سيدي، عامل المقسم حَجْمو متل حجم الكديش، ولما تشاجرنا أنا وهوي خلال دقيقتين كان صارعني من شدة الضرب، ولما شاف مقاومتي ضعيفة صار يتسلى فيني، يشيلني لفوق ويخبطني عالأرض.. ولكن من حسن الحظ، ابن عمي "سليم" كان مارق من السوق، وسليم بحجم كديشين، شالو لعامل المقسم من فوقي وبلش فيه خَبْطْ. وأنا هون صرت قبضاي، بلشت عاونو لابن عمي سليم.

ضحكنا، وقال الأستاذ كمال: لما أنا بقول إنو حضور أبو الجود في السهرة لا بدْ منو، بيزعل أبو جهادْ. أي والله هاي الصورة الكاريكاتيرية ما حدا جابها قبلو. أنا، مثلاً، سمعت بحياتي عددْ كبيرْ من الحكايات عن مشاجراتْ، ودائماً المتحدث الراوي بيقول إنو تفوق على خصمو، وإنو على قد ما ضربو للخصم صار يستجيرْ. هون بتلاحظ الصدق في الرواية.

قال أبو جهاد: أي صدق يا أستاذ كمال؟ أصلاً أبو الجود بعمرو ما تشاجر مع حدا. وهاي القصة كلا على بعضها كذبْ.

تابع أبو الجود الرواية بطريقة توحي بأن كل تفصيل فيها صحيح. قال: بعدْ شوي أجوا ولاد عمو لعامل المقسم، وبلشوا يضربونا، وصاروا الناس يخبروا بعضُنْ من شباب العيلتين، كمان أجوا ولاد عمي، ولو كان في بهديكة الأيام تصوير من الجو كنت شفت الناس عم تركض في أزقة البلدة متل الدم لما بيجري في شرايين الجسم.

قلت لكمال: خود هاي صورة أحلى من هديك.
قال كمال: لا تخاف علي. عم سجل كل شي في ذاكرتي.

قال أبو الجود: وبلشْ ضرب العصي، والأوزان الحديدية، وصار الدم ينشُبْ من الوجوه
والأجسام، والظاهر أنو عامل المقسم اللي دوامو بعد هادا وصل على غرفة المقسم ولقاها فاضية، والباب مفتوح، فأجرى اتصالاتو وعرفْ إنو زميلو علقان بمشاجرة جماعية، فاتصل برئيس المخفر، ورئيس المخفر اتصل بمدير الناحية، ومدير الناحية اتصل بقائد الشرطة وطلب منو يبعت لنا سيارات إسعاف من إدلب.. المهم أسعفونا كلياتنا. والحمد لله تعالى ما حدا مات، لاكن تاني يوم كنت تشوف الناس ماشيين في السوق، واحد إيدو مكسورة ومعلقا برقبتو، وواحد جبينو مخيط، وواحد عم يمشي عالعكاز.. وواحد مركبينو على عرباية الخضار وولادو عم يدرجوه.. يا أخي بدكن الحق؟

قال أبو بدر: لا، ما بدنا الحق.. بدنا الباطل.
قال أبو الجود: الحقيقة أنو المشاجرات الجماعية بتسلي.
قال كمال ساخراً: مو بس بتسلي. كمان مفيدة للمجتمع.. يعني تخيلوا، إذا شي خمسين ستين رجل انعطبوا، قديش بترتفع وتيرة الإنتاج في البلد!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...