عودة ترامب: آفاق التعاطي مع النزاع في الشرق الأوسط
بداية لا بد من أن نتفق على أن وجهي حزبي الفيل والحمار في الولايات المتحدة الأميركية وهي التسميات التاريخية للديمقراطيين والجمهوريين لا يختلفان من حيث ملامح السياسة الخارجية وتعابير التعاطي مع الصراعات في العالم، لكن من البديهي أن نختلف حول انتظارات العالم من تغيّر القيادة السياسية.
سياسات الديمقراطيين والجمهوريين عبر التاريخ
عبر المراكمة داوم الديمقراطيون على تصعيد قيادات سياسية ناعمة تشتغل على تغيير نظرة العالم للولايات المتحدة الأميركية في وجهيها الداخلي والخارجي، ففي الداخل يحاول هذا الشقّ السياسي تهذيب وحشية الخيار الليبرالي من خلال بثّ التطمينات الاجتماعية للفئات الهشة في مسألة التغطية الاجتماعية والخدمات الصحية مع تناول بعض المسائل المجتمعية بتحفظ مثل الإجهاض والموانع على مسك الأسلحة في بعض الولايات، أما بالنسبة للوجه الخارجي فإنها تحاول أن تلعب دوراً تعديلياً بين مكانتها التاريخية وتعاملها مع القوى الصاعدة وخاصة أعداءها التاريخيين من المعسكر الشرقي.
الديمقراطيون خلال توليهم للحكم تم حسم النزاعين الأهمين في الألفية الثالثة وهما الوجود الأميركي في العراق وفي أفغانستان لذلك من البديهي أن ينطبع خيار السلام والتهدئة في نظرتنا لهذا الحزب.
دونالد ترامب في أغلب تصريحاته بدا مستوعباً جيداً لعملية طوفان الأقصى وما انجر عنها من تحولٍ لموازين القوى وتوازن الرعب وخطر توسع النزاع
على خلاف الديمقراطيين قدّم الجمهوريون للأميركيين وللعالم قيادات لا تهتم بالمسائل الاجتماعية بقدر تطرفها أحياناً في التعامل مع بعض المسائل الحساسة مثل حقوق الأقليات والمهاجرين.
الجمهوريون أمام العالم يحاولون السطو على نعومة سياسات الديمقراطيين الخارجية من خلال فتح قنوات للتواصل مع الصين وروسيا غير أنه لا يمكنهم فسخ تاريخهم من الحروب المدمرة والتي قوضت الاستقرار الحذر في الشرق الأوسط وفي أفغانستان بعد سنوات من أفول الشبح الشيوعي هناك وتفنيد رواية امتلاك الأشرار لأسلحة الدمار الشامل.
لنخلص إلى أن التمايز بين الجمهوريين والديمقراطيين هو مجرد تمايز في تمظهرات الخيار الأميركي في الهيمنة وإدارة النزاع حسب ما تقتضيه المرحلة وليس من منطلق المبدئية في حسم الرهانات الداخلية والخارجية على حد السواء.
فوز ترامب ومرحلة ما بعد طوفان الأقصى
لم يكن فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب مستبعداً خاصة في ظل احتدام المنافسة بينه وبين كامالا هاريس مرشحة الديمقراطيين ونائبة الرئيس جو بايدن، على أساس هذه الصفة على الأقل، خسرت هذه السيدة حظوظها في الفوز أمام استثمار منافسها لفشل إدارة بايدن في عديد الملفات وأهمها ملف الشرق الأوسط.
دونالد ترامب في أغلب تصريحاته بدا مستوعباً جيداً لعملية طوفان الأقصى وما انجر عنها من تحولٍ لموازين القوى وتوازن الرعب وخطر توسع النزاع.
دونالد ترامب تحدّث أكثر من مرة عن قدرته على إدارة المرحلة وفرض وقف إطلاق النار والعمل على التهدئة على غير أدبيات وتاريخ الجمهوريين.
وعلى فرضية اصطدامه بالواقع بعد نجاحه وتحمّله انطلاقا من جانفي المقبل لمسؤولية وعوده الانتخابية التي ركز فيها على هذه المسألة فإنه سيجد نفسه أمام ساعة الحقيقة وأمام واقع جديد فرضته المقاومات المتعدّدة والتي أحسنت إدارة التخويف بتوسع النزاع.
آفاق تعاطي إدارة ترامب مع النزاع في الشرق الأوسط
في سباق مع الزمن أوفد الديمقراطيون مبعوثهم إلى لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين لتدارس وقف إطلاق النار في لبنان وهم على بعد أيام قليلة من الموعد الانتخابي.
يبدو من خلال هذه الخطوة أنهم ايقنوا أن ورقة إحلال السلام في المنطقة هي الورقة الرابحة في هذا التوقيت بالذات والتي من شأنها استمالة الناخبين غير أن الغاية الحقيقية وراء ذلك هي تمهيد الطريق أمام إحياء المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار في لبنان وغزة والقفز على فرصة إحلال السلام الحذر وفتح صفحة جديدة من المفاوضات التي من المؤكد أنها ستختلف عن سابقاتها وستكون مثمرة لصالح المقاومة.
دونالد ترامب سوف يجد نفسه مجبراً على رعاية هذا التوجه خدمة للمصالح الأميركية في المنطقة التي تتوجه معه نحو تخفيف حدة التوتر والتقارب مع روسيا وفك العزلة على إيران مقابل القبول بطموحها النووي الذي سيتحول إلى طموح سلمي متى استطاع ترامب تخفيف التوتر في المنطقة.
سياسياً أبدى ترامب موقفاً متطرفاً تجاه إدارة نتنياهو التي داومت على نسف كل حظوظ التهدئة الأميركية المقترحة وبالتالي سوف يعمل على مزيد التضييق عليها وإرغامها على الرضوخ لمبادرة جديدة قديمة يستطيع من خلالها ترامب البروز بوجه جديد لا يختلف مع سابقيه في حماية المصالح الأميركية لكن بتجديد نسبي في إدارة النزاعات والتي قد تصل إلى درجة الاعتراف بحماس والتعاطي معها كما سبق لسلفه الاعتراف بطالبان وإنهاء جبهة أفغانستان وفقاً لتغير الخارطة الجيوسياسية التي يعلمها ترامب جيداً.