عن الحبِّ والجنس
لماذا ينتهي الكثير من قصصِ الحبِّ التي كان يُضرب بها المثل إلى الانفصال أو الصراع الدائم بين الطرفين؟ إذ كثيراً ما استغربنا انتهاء علاقة بين حبيبين أو زوجين، كان يُقال عنها إنّها علاقة حبٍّ حقيقيّة، حبّ لا تشوبه شائبة، أو أنهما روميو وجولييت عصرهما...
أيضًا، لماذا نلاحظ أنّ بعض الأزواج ينقلبون رأساً على عقب بعد الزواج؟ ولماذا لا يصبر كلّ منهما على ظروفِ الآخر الصعبة؟ والغريب في الأمر ادّعاء كلّ منهما قبل الزواج أنّه وَجد حلم حياته الذي انتظره طويلاً!
مثلاً، يصف أحدهم محبوبته قبل زواجه بها، بأنّها ستكون "زوجة هنيّة"، حيث كان مفتوناً بها، ولم يتوقف لحظةً عن زجّ عباراتِ الثقة بكلِّ حديثٍ يخصّها. وبعد فترةٍ من زواجهما ساءت الأحوال الماديّة له ممّا سبب نوعاً من البُعد العاطفي بينه وبين زوجته التي كثرت متطلّباتها، ولم يعدْ يعجبها شيء، حتى أصبح يلعن الحبّ والزواج، مفضلاً البقاء وحيداً بعدما كانا يتشاركان كلّ شيءٍ معاً قبل الزواج.
وتصف إحداهن نفسها بأنّها كانت عمياء في حبّها قبل الزواج بسبب ما لاحظته من طباعٍ سيئةٍ تصف بها زوجها بعد زواجها به، مثل حرمانها من ممارسةِ عملها والتدخّل في كلِّ شاردةٍ وواردةٍ تخصّها، حتى في طريقة كلامها. فهل الحبّ هو الأعمى أم أنّ الرغبة الجنسيّة هي سبب العماء عن رؤية الحقيقة قبل الزواج؟
كثيراً ما يتم الخلط بين الحبّ والرغبة الجنسيّة
كثيراً ما يتم الخلط بين الحبّ والرغبة الجنسيّة، لذلك نجد نفور بعض الأزواج بعد زواجهم واكتشافهم أنّ خيارهم لم يكن صحيحاً، فيبدأ كلّ واحد منهم بالتعبير عن نفوره بطريقةٍ أو بأخرى، منهم من يمارس الهجر، ومنهم من يمارس الضغط باسم الغيرة، وهؤلاء أنفسهم من أخبرونا أنّهم عاشوا قصّة حبٍّ عظيمة قبل الزواج، إنّهم لا يعرفون أنّ حاجتهم للجنس هي التي دفعتهم للزواج وليس الحبّ، وأنهم لا يميّزون بين الحبّ والجنس، وهو ما أدى بهم إلى طلاقٍ أو زواج فاشل.
لذلك، أعتقد أنّه من الظلم أن ننسب العماء إلى الحبّ، ففي أغلب الأحيان تكون الحاجة إلى ممارسةِ الجنس هي التي تُسبّب نوعاً من العماء وعدم القدرة على الاختيار الصحيح.
وربّما يكون بطل رواية "الحب في زمن الكوليرا" لغابرييل غارسيا ماركيز، قد أثبت لنا أنّ الحبّ يختلف تماماً عن الجنس، عندما بقي يفكّر في كيفيّة اللقاء بمحبوبته، حتى بعدما أصبحت في سنّ الشيخوخة رغم أنّه مارس الجنس مع كثيراتٍ غيرها.
ما الحب؟
إنّ أكثر ما نحتاج له أولاً وأخيراً هو إدراك مفهوم الحبّ الحقيقي وأهميّته في حياتنا، وعلى الرغم من تعقيد مفهوم الحبّ وتعدّد الآراء حول وضع تعريف محدّد للحبّ، إلا أنّه من الممكن أن نتفق مع الفيلسوف، سلافوي جيجيك، بأنّ "السعادة الحقيقية أن نجد من يحبّنا رغم ما نحن عليه".
أكثر ما نحتاج له أولاً وأخيراً هو إدراك مفهوم الحبّ الحقيقي وأهميّته في حياتنا
"لا تتمسكن حتى تتمكن"
من المستحيل أن نجدَ الكمال في المحبوب، ومن الضروري وجود بعض الاختلاف، كما أنّنا لا نستطيع التأكّد من الحبِّ الحقيقي إلا بملاحظة هذا الاختلاف، ومحاولة التأقلم معه، وهو ما ينطبق تماماً مع فكرة عدم محاولة تغيير الحبيب لمحبوبته بمجرّد زواجه بها، أي أن يبتعد عن مقولة "عم أتمسكن حتى أتمكن". أمّا من يطبّقان هذه المقولة من الأزواج، فسينتهي بهما إلى تمكّن أحدهما من الآخر، لتصبح الأسرة كالغابة التي يحكمها الأقوى. والحبّ أسمى من أن ينتهي بمجرّد حدوث اختلاف بين الحبيبين، بل على العكس، هو يعني أن نتقبّل الآخر المُختلف عنّا رغم ما به من عيوب، وهنا يظهر، إن كان الزوجان في علاقةِ حبٍّ حقيقيّة قبل الزواج أم لا.
ما الجنس؟
إنّ الجنس هو حاجة من الحاجات الأساسيّة التي يشترك بها الإنسان مع غيره من الكائناتِ الأخرى، إنّها كالطعام والشراب، ولكن هل نأكل ما يوجد من طعام فقط لأنّنا جياع؟ هل نتزوّج أيّاً كان، فقط لأنّنا في حاجةٍ لممارسة الجنس؟
الجنس حاجة من الحاجات الأساسيّة التي يشترك بها الإنسان مع غيره من الكائناتِ الأخرى
على الإنسان معرفة دوافعه الحقيقيّة قبل اتخاذ خطوة جريئة مثل الزواج، فلا يطلق تسمية الحبّ على من يرغب به رغبةً جنسيًّة فقط، فهو بذلك يدمّر أسرة بأكملها مستقبلًا. وكم من الأُسر عانت من البعد بين الأبوين؟ وكم من الأطفال من دفع ثمن هذا البعد؟ وكم من الأزواج، من لا يتحمّل كلّ منهما الآخر، بعدما أشبع حاجته الجنسيّة بعد الزواج؟
لماذا نخجل من مصطلح الجنس؟
أظنّ أنّنا لو تصالحنا مع مصطلح الجنس كمصطلح متداول في الحياة اليوميّة لتجنّبنا الكثير من المشكلات التي تتعلّق بالجنس والزواج، ولكن ما يحدث أنّنا بمجرّد ذكر مصطلح الجنس نخجل ونحاول أن نختفي من المكان.
عندما كنت طالبة، أذكر جيّداً خجلي الشديد عندما شرحت لنا مدرّسة العلوم درس الجهاز التكاثري عند الإنسان، وهو ما يتكرّر معي الآن عندما أشرح لطلابي درس الحاجات الفيزيولوجية عند الإنسان، خاصة عندما أذكر كلمة جنس، فمنهم من يضحك، ومنهم من ينام على المقعد، وما يزيد الموقف حرجاً قول أحد الطلاب لي: يا آنسة نحنا جايين نتعلّم.. شو جنس ما جنس؟
وبعد صفنةٍ طويلة أتابع درسي بعدما أُدرك أنّني جزء من مجتمع مقلوب ومحكوم بالخجل، فكم من الطلاب يخجلون من الحديث مع أهلهم عن الجنس؟ وها هم الآن يخجلون من العلم، وهناك شيء واحد لا يخجلون منه، وهو الجهل؟!
رغم ذلك أتابع درسي وأقول لهم إنّ حاجة الإنسان للجنس كحاجته للطعام، إن لم يعرفها فقد تعيقه عن بلوغ أهدافه. ولذلك نؤكّد أهميّة العقل عند الإنسان الذي عليه أن يجد الحلّ دون أن يسبّب ذلك خللاً في العاداتِ والتقاليد، فربّما لو أدرك الطالب أهميّة هذه الطاقة الجنسيّة لديه لحوّلها لشيء إيجابي، كالكتابة أو العزف أو الرسم بدلاً من كبتها وتحويلها إلى قراراتٍ خاطئة في المستقبل، مثل قرار الزواج.