عشية الاستقلال... الإنكليزية في المدارس الجزائرية
أصدر أمس الرئيس تبون من خلال مجلس الوزراء بتاريخ 19 يونيو/ حزيران، تعليمات تخص قطاع التربية والتعليم في الجزائر، وهو قرار تعميم لغة العلم والعلوم الإنكليزية في المدارس الجزائرية بداية من الطور الابتدائي لتعمم على باقي الأطوار خلال السنوات القادمة، وأمر الرئيس أن يكون إدراج الإنكليزية وفق دراسة معمقة لمختصين.
هذا القرار ذكرني بخطاب تاريخي للرئيس الأسبق الراحل هواري بومدين حين قال إن فرنسا لديها نفوذ في الدول التي تتحدث الفرنسية، وتتحكم فيها عن طريق هاته الأداة الفعالة، فتحليل الرئيس بومدين أعرف العارفين بفرنسا وطرقها في امتصاص الخيرات صائب ألف بالمئة وصالح لكل زمان ومكان.
ولكن هل قرار الرئيس تبون - الذي أصفه أنا بالتاريخي والجريء لعدة اعتبارات - كاف لكبح جماح الفرنسية نهائيا؟.. من مراسلات وتعاملات وبحث علمي وخاصة في الأعمال الأكاديمية هل ستكون الجزائر عشية ستينية الاستقلال على موعد مع نهاية العبث الفرنسي بشكل نهائي ومطلق، طبعا إن توفرت الإرادة وحضرت الوطنية الحقيقية التي لا أظنها تنقص رجال الجزائر العارفين بمدى سلبية اللغة الفرنسية ومستعمليها على حاضر الجزائر وماضيها وحتى مستقبلها.
من ناحية تاريخية بحتة فهاته تتمة لرسالة الشهداء والمجاهدين الذين رفضوا الفرنسيين لغة وحضورا وانتماء ووجودا
هذا القرار سبقته قرارات أخرى اقتصادية في مجملها، خاصة الزيارات التاريخية للرئيس تبون إلى تركيا وإيطاليا، فالتقارب الجزائري التركي اقتصاديا كان بمثابة الصدمة للوبي الفرنسي في الجزائر الذي حاول بشتى الطرق تقزيم هذا التقارب والانفتاح المغمور بعبق التاريخ والتعاون بين البلدين، خاصة أنه شمل عدة قطاعات من بينها قطاع التعليم العالي "الجامعات" وقطاع التسلح والتعاون العسكري، فالرئيس تبون ونظيره التركي أعلنها صراحة بترقية المعاملات التجارية الجزائرية التركية من 4.5 مليار دولار إلى 10 مليار دولار، وهذا ما يقابله من تراجع للوجود الفرنسي المالي وحتى السياسي في الجزائر.
بالتالي فإن تعميم اللغة الإنكليزية خطوة أولى وجب أن ترفق بدراسة استشرافية معمقة لتعم الأطوار التعليمية الثلاثة في الأعوام القادمة، لتنتقل إلى الجامعات والبحث العلمي ورسائل التخرج، فاللغة الفرنسية لغة تخلف بالنسبة للعلوم والتطور وحضارة الشعوب فأي اكتشافات تمت باللغة الفرنسية؟ وماذا قدمت اللغة الفرنسية لفرنسا في حد ذاتها التي تعيش انهيارا تلو الآخر.
ومن ناحية تاريخية بحتة فهاته تتمة لرسالة الشهداء والمجاهدين الذين رفضوا الفرنسيين لغة وحضورا وانتماء ووجودا، ففي عز سيطرة فرنسا الاستعمارية في الجزائر قال شاعر الثورة مفدي زكريا "فلتحيا الجزائر مثل الهلال ولتحيا فيها العربية"، ويقصد شاعر الثورة أن الجزائر عربية إسلامية لا يمكن أن يفصلها الوجود الفرنسي عن عمقها الحضاري، فقرار السيد تبون قرار سيحيي أمجاد الجزائر إن سار في فلكه الصحيح، وإن طبق حرفيا فسيكون ثالثة الأثافي والضربة القاضية لما يسمى باللوبي الفرنسي وزبانيته عشية الاستقلال.