عريس لقطة وشاعر لقطة

05 يناير 2019
+ الخط -

دار الحديث خلال الجلسة التي انعقدت في بلدة "الريحانية" التركية أواخر سنة 2012 حول الشاعر المُخبر "فلان الفلاني" الذي تحول- في وقت من الأوقات- إلى شغل شاغل لدى المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب بدمشق.. 

قال أبو الجود: بصراحة يا شباب، أنا شايف أنكم عَمْ تعطوا لهاد فلان أكثر من حقه، عم تصوروه على أنه واحد تافه، ومع هيك، في هاي الجلسة، ما حكيتوا غير عنه.

رد الأستاذ كمال على ملاحظة أبي الجود بقوة.. أوضح أن الأديب التركي الكبير عزيز نسين التقط هذه الفكرة في رواية "زوبك" التي ترجمها صديقُنا عبد القادر عبدللي وفَنَّدَها ببراعة. في كل فصل من الرواية كان واحد من الشخصيات يقول إن "إبراهيم زوبك زادة" شخص تافه لا يستحق كل هذا الاهتمام، ولكن زوبك (التافه) كان يفاجئ الجميع بأفعاله المؤذية لهم جميعاً، ووقتها يعلمون ويتأكدون من أنه يستحق الاهتمام. 

قال العم أبو محمد: تريدون الصدق وَلَّا ابن عمه؟ أنا كنت أظن أن مستواكم إنتوا الكتاب أعلى من هيك. يا زلمة، معقول المكتب التنفيذي تبع اتحاد الكتاب ينزل مستواه لمستوى واحد مخبر تافه ويعمل اجتماع طويل عريض منشانه؟


رد الأستاذ كمال على ملاحظة العم أبي محمد بكثير من الدقة. قال إن تعميم الحكم على (كل)
الكتاب خطأ فادح. فهناك كتاب مهمون رفضوا الانتساب إلى اتحاد الكتاب أصلاً، وهناك كتاب جيدون ضمن مؤسسة الاتحاد ذاتها، وحتى المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب كان فيه أناس محترمون بدليل الشاعر الذي انسحب من الجلسة احتجاجاً على هذه النقاشات التافهة، ولكن يجب ألا ننسى أن نظام الأسد الأمني الاستبدادي كان قادراً على الدخول في مفاصل جميع مؤسسات الدولة، وبضمنها مؤسسات الكتاب والصحافيين. وبسبب هذه الاختراقات الأمنية بقي خمسة أو ستة أشخاص يقودون المؤسسات الصحافية والإعلامية واتحاد الكتاب والصحافيين في سورية أكثر من ثلاثين سنة، لسبب وحيد هو ولاؤهم للحكم، واستعدادهم للتعاون التام مع أجهزة المخابرات. 

قال أبو زاهر: يا ريت الأستاذ كمال يرجع فينا لقصتنا الأساسية. خلينا نعرف كيف انتهت قصة دواوين الشعر اللي قدمها الشاعر المخبر فلان الفلاني للاتحاد؟

قلت: انتهت بأكثر ما كان المخبر فلان يحب ويشتهي. فقد وافق المجتمعون بالإجماع (بعدما انسحب العضو المعارض) على طباعة الديوانين الشعريين اللذين قدمهما المخبر فلان الفلاني في مطابع اتحاد الكتاب العرب. وقبل أن أحكي عن الطباعة يا ريت تسمحوا لي باستطراد صغير.

قال أبو زاهر: تفضل.

قلت: هناك حكاية متداولة عن شخص فقير اسمه (قاف)، أشعث، أغبر، مجعلك، متشرد، شاهدته امرأة أرملة مليونيرة كانت بحاجة لأن تظهر أمام الناس بما يوحي بأنها تعيش في كنف رجل. تعرفت على هذا المنحوس (قاف) وعرضت عليه الزواج، فوافق فوراً، وهي أمرت رجالها بأن "يرستقوه"، فأخذوه إلى الحَمَّام، ثم الحلاق، حَفُّوه، وبَرْدَغُوه، وقصقصوه، وصبغوه، ونتفوه، وهندسوه، ورتبوه، وكسوه أجمل الحلل، حتى أصبح أكثر جمالاً ووسامة من آلان ديلون عندما كان على سروج خيله، ووقتها تزوجته الأرملة ضمن احتفالية فخمة على إيقاع: دقوا المزاهر يللا يا أهل الخير تعالوا جمع ووفق والله وصدق اللي قالوا عين الحسود فيها عود يا حلاوة.. 

قال العم أبو محمد: أشو المغزى من هذه الحكاية؟

قلت: المجتمعون في المكتب التنفيذي، وبالأخص الشعراء المخبرون، استلموا الديوانين تبع فلان الفلاني وعملوا فيهما متلما عملوا الجماعة بعريس الغفلة قاف. وبعد أن أصبحا مقبولين أحالوهما إلى المطبعة مع توصية بالاستعجال، فصدرا خلال أيام، وتحركت ماكينة الدعاية للإشادة بالشاعر الجديد (اللقطة). 

ملاحظة: للطباعة لدى اتحاد الكتاب العرب ميزتان، الأولى أن الكاتب يقبض مكافأته ويمشي بينما يتحمل الاتحاد عرض النسخ ونفض الغبار عنها وإعادتها إلى المستودع وتحمل خسارتها. والثاني أن لمن يطبع في الاتحاد أولوية في الانتساب.

للحديث صلة

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...