عرس عادل فريكة!!
اتصل بي صديقي محمد علي فريكة، ذات يوم، ودعاني لحضور عرس ابنه عادل يوم الخميس المقبل على بيدر القرية، وقال مهدداً إنه في حال تقاعسي عن الحضور، سوف يعلن في الناس أنني لست أديباً ولا ما يحزنون، وكل ما في الأمر أنني ألاحقه وأمثالَه الظرفاءَ من مكان إلى مكان لأستمع إلى قصصهم وطرائفهم وأدونها وأنشرها في الجرايد!! وأما إذا حضرت العرس فإنه سينام على الموضوع ويُبقي طابقي مستوراً! (أي: يُبقي السر طي الكتمان).
راودني الضحك وقلت له:
- أليس عادل هذا هو الذي سرق بضع رمانات من حديقة خاله وكاد أن يحكم من أجلها بالإعدام؟!
أطلق عبر الهاتف ضحكته العجيبة التي تنتهي بالمقطع (كك) وقال لي:
- نعم سيدي، هو بذاته، ولعلمك فإن عادل هو الذي أصيب في صغره بالسعلة الشهاقة وشرب حليب الناقة وتطبع بطباع الجمال! وهو الكسول الخامل العاطل عن العمل، وهو الذي يوقعنا في مشكلة عويصة بمعدل ثلاث مرات كل سنة. ولكن، مع ذلك، لا تنس أنه ابني، وأنك ستحضر عرسه شئت أم أبيت!
بعد أقل من ثماني وأربعين ساعة من هذه المكالمة اتصل بي محمد علي وقال لي إن ثمة ظروفاً قاهرة أدت إلى تأجيل العرس حتى إشعار آخر، وإنه سيبلغني بالموعد الآخر في حينه.
بعد مضي أكثر من أربع سنوات على هذه الحكاية، وبينما أنا في بازار إدلب يوم الأربعاء أشتري بعض الحاجيات للمنزل، إذ التقيت بمحمد علي. وقبل أن يقول لي (مرحبا)، بادأتُه معرباً عن زعلي منه لأنه لم يعد إلى الاتصال بي وتجديد دعوته لي لحضور عرس ابنه عادل.
قال لي: بصراحة؟ القصة طويلة ولا يمكن اختصارها في هذه العجالة.
دعوته لتناول نفس تنباك مع كأس شاي في مقهى "حمشدو" وسط البازار. وهناك، بعدما ملأ صدره بالدخان، راقت نفسيته،.. شرع يحكي لي ما جرى معه بخصوص العرس، قال:
- أختي الكبرى اسمها هدلا، مكث زوجُها في الفراش ثلاثة عشر عاماً وهو بين ميت وعائش. وكل بضعة أيام يموت، وينقطع نَفَسُه، ويصبح جسمه مثل الثلج، فتخرج هدلا إلى الزقاق وتدب عليه الصوت على أنه أعطى عمره لك وللطيبين شرواك، فيجتمع الناس، ويلوون رقابهم إلى الأسفل ممثلين دور الحزن عليه، والألم لفراقه.
وقبل أن يؤذنوا له في مئذنة الجامع، ويوصوا لأجله على كفن وبخور وطاسة "حويزا"، يتنفض صاحبُنا ويُقلع عن فكرة الموت من أساسها، ويدوم على هذه الحال ستة إلى سبعة أشهر، ليموت ويقلع عن الموت مجدداً. قبل عرس عادل بيوم واحد مات، ولكنه هذه المرة لم يتراجع عن قراره، فاضطررنا إلى تأجيل العرس!
في الموعد الثاني للعرس، وكنت على وشك أن أتصل بك لأجدد لك الدعوة، اشتغلتْ الولاويل من طرف دار أهل العروس، وبصعوبة بالغة عرفنا أن خال العروس ابراهيم قد مات! أنت لا تعرف ابراهيم، إنه شاب في الخامسة والثلاثين، من دون يمين حبل ليف لا يخنقه! فهو رجل رياضي، ونباتي، وطوال عمره لم يبلع حبة ساريدون!
قلت: كيف مات إذن؟
قال: ضربته جلطة قلبية صاعقة أنزلته في أرضه خالصاً قبل أن يتمكن بالنطق بالشهادتين والعياذ بالله! المهم في الموضوع، أجلنا العرس أسبوعين آخرين. أنت تعرف وزير الدولة المدعو أبا أحمد. قريتنا لا تشتغل في السياسة أساساً، والشخص الوحيد الذي اشتغل في السياسة وكبر وصار وزيراً هو أبو أحمد.
وللحقيقة والتاريخ أن هذا الرجل طيب وخدوم، وكان قد تدبر وظيفة سائق لابني الوسطاني عمر، ووعدنا بتدبر وظيفة آذنة (فَرَّاشة) لامرأتي، ووظيفة مراسل لابني المنحوس عادل. يوم العرس، وبينما كان المطرب أبو معروف يدوزن العود على البيدر، والشباب يجدلون الشملات لأجل الرقص العربي، دب الصوت في القرية على أن أبا أحمد أعطاك عمره!
أطلق محمد علي ضحكة جعلت الدخان يعترس في حلقه، وسعل، وشرب كأساً من الماء، وأخذ رشفة من كأس الشاي، وقال لي:
- وقتها قررنا أنا وأختك أم عادل أن نزوج الولد على السكيت، لأننا خفنا إن نحن استمرينا في تأجيل العرس أن تفنى قريتنا عن بكرة أبيها، أو تموت العروس مثلاً!!