عراق بلا رمز... أسئلة حول صناعة البطل
بعد مقتل جورج فلويد خاض الأميركيون صراعاً مع أسئلة جوهرية تتعلق بماضي الولايات المتحدة، وخصوصاً الحقبة الكونفدرالية، وقد أثار استهداف المتظاهرين نصباً تذكارية تعود لتلك الحقبة ومنها بدأ النقاش.
المتظاهرون في أميركا أسقطوا عدة تماثيل لكريستوفر كولومبوس، إضافة إلى تماثيل أخرى تعود للحقبة الكونفدرالية. أحد أساتذة التاريخ في تكساس طرح سؤالا قال: يبدو أننا لربما وصلنا إلى نقطة مفصلية في إعادة سرد الرواية بشأن من نحن كشعب أميركي؟
مقابلة السؤال مع الحدث تبين لنا أن الرمز هو محدد تراثي للأمم، وإذا اختلف المجتمع حول نسبة الرمزية إلى شخص ما فإن ذلك قد يخلق شرخاً مجتمعياً، وبخاصة الرموز المرتبطة بالصراعات التاريخية حول الحكم أو السلطة والمستمرة في الحاضر.
فلو أخذنا البطل الشعبي وحللنا هذا الرمز لوجدناه ينطوي على حزمة من القيم السامية التي تجلها الثقافة الشعبية، كالشهادة من أجل الوطن ضد العدو الخارجي، الشجاعة، الكرامة الوطنية، والزهد، إذاً عندما يتحول شخص إلى حالة رمزية فهذا دلالة على مجموع القيم التي يرمز إليها.
الرمز هو إنتاج ثقافي، يندرج في إطار أنظمة التعبير والتفسير الخاص بالجنس البشري، ففي علوم شكلية مختلفة، توصف الرموز بالعلاقات التي تميل إلى جوهر محدد.
الرمز للمجتمع هو تعبير لا شعوري مختصر، يقدم دلالة معرفية عن المجتمع ككل، فالمحارب في الجبهات يقدم دلالة على أن هذا الشعب قد حارب وانتصر
لماذا الرمز؟
ما مدى تأثير الرمز على الفرد؟.. في الحقيقة يمثل الرمز حالة، كثيراً ما تلازمت مع شخصية الفرد، يصعب التخلي عنها، فهي تمثل طموحاته ونموذجاً أمثل يمكن الاقتداء به وتعويضاً عما يعانيه من نقص، أي أن الرمز يمثل الفجوة القائمة بينه وبين الفرد، ولأجل سد هذه الفجوة يسعى الفرد وبتصور ذهني إلى أن يتوحد مع الرمز وكأنهما كائن واحد، وهو ما يمكن ببساطة تسميته بالتماهي بينهما سلوكيا.
ما قيمة الرمز؟
قيمة "الرمز" تكتسب من قيمة الأفكار التي يمثلها (وبالتالي فقيمة الرمز أكبر) بشرط أن ينال هذا "الرمز" ثقة الفرد وأغلبية المجتمع، ويقوم المجتمع بدور مهم في شخصنة الأفكار -الأفكار الفعالة- بشكل محدد، فالفكرة ليس ذات قيمة كفكرة مستقلة بحد ذاتها، إنما "الرمز" يكسب الفكرة قيمتها عند فئة من المجتمع، وهنا يبدأ صراع الرموز المتناقضة في حالة وجود رمز آخر مقنع لفئة أخرى داخل المجتمع.
إن الصراع الذي تقوم عليه حركة التاريخ البشري منذ بدايته، يتجاذبه طرفان اثنان برمزية (الخير والشر)، وهو أول منحنى عقائدي ديني جديد ظهر مع بداية تطور العقل الديني للإنسان في الديانات المثنوية.. احتاج المجتمع إلى رمزية خير ورمزية شر.. والانتماء لهما بكل ما تعنيه المفردة من دلالات وثقافات وأفعال..
زحف هذا الاعتقاد إلى شخصنة الرمز البشري.. فالمجتمعات التي أدركت أهمية وجودها والتحامها بأن الرمزي هو جامع لا مشتت لها.. فظهر الرمز الأسطوري والأدبي والمخيالي الشعبي.. وأصبحت الرموز دالة على شعبها.
كيف يظهر الرمز؟
يظهر الرمز عند الحاجة التي يمر بها المجتمع، فمثلا المجتمع المحتاج إلى بطل سياسي إبان الاحتلال وينال الاستقلال يصبح رمزاً للاستقلال الوطني.. المجتمع بحاجة إلى أدب يظهر الأديب رمزاً.. ولكن من يصنع الرمز؟
الرمز تصنعه المواقف والأفكار التي يمثلها، لا رمز حقيقيا من صناعة الإعلام أو السلطة الحاكمة!! فمثلا كان الاتحاد السوفييتي يقدم ستالين على أنه رمز.. وكان البعث في العراق يقدم صدام حسين رمزا، كان جمال عبد الناصر في مصر يقدمه الإعلام القومي على أنه رمز، ولكن الرمز الحقيقي هو من يختاره المجتمع ويلوذ به مقتنعاً ومسلماً.
مالذي يمثله الرمز؟
الرمز للمجتمع هو تعبير لا شعوري مختصر، يقدم دلالة معرفية عن المجتمع ككل، فالمحارب في الجبهات يقدم دلالة على أن هذا الشعب قد حارب وانتصر.
إذاً ما مشكلة الرمز؟
مشكلة الرمز هي تقديم الرمز من الخصوص إلى العموم أو سرقته من العموم إلى الخاصة.. كيف؟ العراق كبلد متعدد الطوائف ولكل طائفة رمزها.. الرمز الخاص يُصَدر إلى العموم - أي بمعنى الطائفة تقدم رمزا لفرضه على العموم، أو الطائفة تسرق رمزا عاما لتلحقه إلى خصوصيتها .. وبالتالي نحن إلى الآن لم نقدم رمزاً وطنياً يتفق عليه الجميع. ونحن الآن بأشد الحاجة إلى رمز وطني جامع.