ضابط وروائي ومولع بسندويش الفلافل
في سورية التي حَوَّلها حافظ الأسد إلى مزرعة شبيهة بغابة الذئاب، نمت طبقة من المتسلطين الطفيليين، وهذه الطبقة، على الرغم من قذارتها وحقارتها يوجد فيها أشخاص يتمتعون بشيء من الفكاهة والظرف.. هم ليسوا ظرفاء طبعاً، ولكن تصرفاتهم تبدو مضحكة.. ومن أظرف ما يقوم به هؤلاء، اهتمامُهم بالثقافة والأدب والفن! (هذا ما قاله الأستاذ كمال في مستهل سهرة الإمتاع والمؤانسة)..
أم زاهر: نعم. وبالفعل هادا شي عجيب. أنا متأكدة إنه الواحد من هدول الطفيليين المجرمين إذا بيطبع مية كتاب ما حدا راح يصدقه..
كمال: معك حق أم زاهر. الأحلى من هيك إنك تكوني ماشية في شوارع البلد، وعم تتفرجي على واجهات المكتبات، وفجأة تشوفي ديوان شعر من تأليف ضابط المخابرات فلان الفلاني، إنتي بقى راح تتساءلي عن الجو الشاعري اللي عاشُه هادا الشاعر الضابط وهوي عم يبدع قصائده، (فيا تُرى هل كان يعذبُ مجموعةَ مواطنين مشبوحين بالحبال والكلابات، وحولَه تتناثرُ بقعُ الدم، بينما أصواتُ الولاويل والنحيب تطرق مسمعيه برفقٍ)؟
أم الجود (ضاحكة): بهيك جو بيطلع معه شعر عجيب، ولا نزار قباني الله يرحمه.
أبو الجود: هادا بيقولوا لُه "شعر عَ القتل".
الأحلى من هيك إنك تكوني ماشية في شوارع البلد، وعم تتفرجي على واجهات المكتبات، وفجأة تشوفي ديوان شعر من تأليف ضابط المخابرات فلان الفلاني
كمال: خلونا إذا سمحتوا نتابع حديثنا عن اتحاد الكتاب العرب. في السهرة الماضية، حكى أبو المراديس عن استقالة الكاتبين حنا مينة وسعد الله ونوس من الاتحاد احتجاجاً على فصل أدونيس.. هادا الشي حدث في سنة 1995 على ما أذكر.. أنا عندي بعض الملاحظات على هاي القصة. أول ملاحظة؛ إنه حنا مينة وسعد الله ونوس من طبقة الكتاب الكبار، ولولا هيك ما كانوا تجرأوا وقدموا استقالة تحت بند (احتجاج).. معقولة يا ناس، في حدا بسورية بيسترجي يحتج؟ هاي شغلة من الكبائر.. بالمناسبة: لو الكاتبين اللي استقالوا غير حنا مينة وسعد الله ونوس كانت الأجهزة الأمنية استنفرت، واعتقلتهم، وتعرضوا لسين وجيم، وممكن ينسجنوا، وبعدين يموتوا تحت التعذيب. لكن الاسم الكبير بيخفف الضغط عن الكاتب، وبيعطيه نوع من الحصانة، فلو تم اعتقال حنا مينة وسعد الله ونوس فعلاً، كانت تحركت بعض الدول الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان للاحتجاج على اعتقالهم.. هيك شغلة النظام ما بيعملها.
الملاحظة التانية إلها علاقة بالضباط اللي بيكتبوا شعر وقصص وروايات. لا شك إنه الواحد من هدول بيعيش حالة فصام غريبة. يعني ممكن يكون عم يعذب سجين وفجأة تنفتح في خياله نافذة مطلة ع البحر، وبيشوف أولاد زغار عم يلعبوا وعم يعمروا ديايير - على حد تعبير الأخوين الرحباني – ووقتها بيتأثر بجمال الطبيعة وبيقول للجلاد: (رويدك يا ولدي، ارأف بالإنسانية المعذبة، دعه اليوم، وإذا أردت تعذيبه أكثر فإن غداً لناظره قريب).. وأحياناً بيظهر الفصام تبعه بطريقة معاكسة.. بيكون مثلاً قاعد مع أبو المراديس في كافتيريا "الرواق" بآخر طلعة "العفيف" بمدينة دمشق، وعم يناقشُه أبو مراديس بفصل من روايته الأخيرة، قصدي رواية الضابط العتليت، وأبو مرداس بأسلوبه الديبلوماسي المعتاد، بيسرّب له انتقاد لروايته، وما بيشوف غير حضرة الضابط ارتدى قناع الخدمة العسكرية وصرخ في وجهه: انتبه، استارح، استاعد. التمرين التاسع خود وضع. منبطحاً ولاه كر. منبطحاً، العمى في عيونك إن كانُّه صحيح!
أبو المراديس: المشكلة إني مفصل الساق تبعي اصطناعي، وعندي تَحَدُّد في الحركة، يعني مستحيل إقدر أعمل التمرين التاسع، ولا حتى إمشي مشية البطة.
كمال: بهالحالة الشاعر الضابط المحترم ممكن يكتفي بتوبيخك، ويقول لك: تضرب إنته واللي علمك كتابة الرواية على آخر هالزمان يا خطيب بدلة، يا سافل، بحضي بديني أنا إذا بشوف بياع الفلافل عم يلف سندويش بورق روايتك "أبو دياب يتكلم في الأفراح" ببطل آكل فلافل، مع إني بحب الفلافل أكتر من أمي وبيي. ولاك أبو مرداس إنته ما بتحبا للفلافل؟
أبو المراديس: طبعاً لازم قله بحبها. معقولة اختلف معه بالرأي حول الفلافل؟
حنان: أنا مرة سمعت قصة بتشبه قصة أبو مرداس. ما بتذكر وين قريتها.. بس المشكلة أنا ما عندي خبرة برواية القصص.
أبو محمد: تعلمي فينا. نحن مستعدين نسمعك للآخر.
الملاحظة التانية إلها علاقة بالضباط اللي بيكتبوا شعر وقصص وروايات. لا شك إنه الواحد من هدول بيعيش حالة فصام غريبة
حنان: القصة اللي سمعتها أو قريتها بتحكي عن واحد شاف بنومه إنه داخل على مطعم "فلافل أبو برهان" في إدلب، وطلب صحن فول بطحينة مع فحل بصل يابس، وما شاف غير حافظ الأسد داخل ع المطعم، وما معه مرافقة. قام، وسلم عليه، وطلب له صحن فول، فحافظ اعتذر عن الفول وقال له: بدي فلافل.
أبو الجود: أيوه. منشان هيك الضابط اللي حكى عنه كمال بيحب الفلافل. الشباب بيقلده معلمهم بكل شي.
حنان: المهم قعدوا سوا، الرجال وحافظ، وبعدما خلصوا أكل، سأله هاد الشخص لحافظ الأسد أشو الأخبار؟ فقال له: حالياً عم نحرر الجولان. واتضح إنه هادا الرجل لحوح، فسأله: وبعد الجولان، أشو مفكرين تعملوا سيدنا؟ فتضايق منه حافظ وقال له: شو معرفني؟ خلينا نحرر الجولان هلق ولبكرة بيدبرها ربك.
أبو جهاد: حلوة القصة. خلصت؟
حنان: لسه. أنا بتذكر إنه الرجل دفع تمن الفول اللي أكله، وسندويشة الفلافل اللي أكلها حافظ.. وتاني يوم صار يحكي المنام للناس، وإدلب كلها سمعت بالقصة، وأجوا المخابرات اعتقلوه هوي وأبو برهان، والعمال تبع المطعم.
أبو جهاد: أف! وليش بقى اعتقلوهم؟ يعني ممنوع الواحد يشوف منام؟
حنان: لأ، بس هني وجهوا له أربع تهم. أولاً إنه حافظ متبع نظام غذائي صارم بإشراف طبيب القصر، ومستحيل ياكل فلافل عند أبو برهان، وتانياً، حافظ ما بيروح على إدلب، وما بينسى شو عملوا معه الأدالبة في سنة 1971، تالتاً، هوي معه مصاري كتير، وهوي معطاء، يعني المفروض في المنام حافظ يدفع مو هوي، ورابعاً، الاعتقال احترازي، لأن ممكن الفلافل تكون ملغومة، وخلوهم أسبوع كامل بالحجز، ليتأكدوا إنه صحة حافظ ما تأثرت بالفلافل اللي تزهرمها.. زهرمان بخاري إن شاء الله يهري مصارينه!