سيرة المرشح البرلماني الفارط (7)
في القسم الثاني من سهرة الإمتاع والمؤانسة، بعد استراحة قصيرة، تبرعت السيدة حنان بإعادتنا إلى جو الحكايات التي نرويها عن مرشح مجلس الشعب المسطول عبد الحميد الفارط، ولخصت الموقف الذي كان محتدماً بين فريقين من المجموعة المرافقة للمرشح: الفريق الأول ارتأى أن من واجب عبد الحميد الفارط أن يذكر حافظ الأسد، خلال حملته الانتخابية، بالخير، والفريق الثاني اعتبر هذا العمل ضرباً من النفاق واللألأة، ونشأ تيار ثالث دعا إلى الوسطية، واعتماد مبدأ (لا يموت الديب ولا تفنى الغنم)..
قال أبو ماهر: كتير كويس. ويا ريت أبو المراديس يكمل سرد الحكاية من هاي النقطة.
أبو المراديس: المجتمعين في دار البخ انصرفوا، بعد هالجدال العقيم حول حافظ الأسد، من دون ما يتوصلوا لاتفاق معين، ونزل عبد الحميد الفارط، مع بعض أركان حربه، من الزاروب اللي بينحدر باتجاه الشرق وبيتقاطع مع زقاق "بيت الزيداني"، وطلعوا شمال، لحد ما وصلوا الساحة الترابية اللي كان ينعقد فيها "بازار القش" القريب من دوار معرتمصرين. السيد إبراهيم الأفكح طلب من التانيين يوقفوا شوي في زاوية الساحة، لأنه في عنده رأي حابب يقوله للمرشح.
أبو أيوب: تفضل خاي إبراهيم، عم نسمعك.
إبراهيم الأفكح: لما كنا في دار البخ سمعتك عم تقول عن نفسك مجنون. وأنا رأيي، يا خاي أبو أيوب، أنك مو مجنون، بالعكس عقلك أتقل من "جبل الأربعين" اللي بيبعد عن ضيعتك مسافة قليلة، منشان هيك أنا بدي أحكي معك بموضوع جدي، وواثق إنك راح تفهمه وتستوعبه.
أبو أيوب: تفضل. عم إسمعك.
إبراهيم الأفكح: نحن منخطئ كتير لما منصدق الإشاعات اللي بيطلقها البعثيين والمخابرات بين الناس، وبيدّعوا فيها أنهم أوادم، وما بيتدخلوا بشؤون الناس، وإنه الانتخابات راح تكون ديمقراطية.. هني في الواقع أوباش وملاعين، هلق بيكونوا عم يراقبونا من بعيد لبعيد، وبيتركوننا نمشي على حلّ شعرنا، لوقت ما تجي الفرصة المناسبة، بعدين بيجيبوا سيارة مخصصة لنقل الغنم وبيعبونا فيها، وبيبعتونا لمكان بعيد، وبينزلونا تحت طقاطيق الأرض، وبينقعونا أسابيع، أو شهور، أو سنين، بتهمة أو من دون تهمة، وبيطعمونا كل يوم ثلاث وجبات ضَرْب مع التحاشيك والمسبات.
تمتم أبو أيوب: قسماً بالله هالحكي صحيح.
إبراهيم الأفكح: منشان هيك أنا بشوف أنك لازم تستغل المناسبات الجماهيرية وتعلن ولاءك لحافظ الأسد، وتقول إنك ترشحت لحتى تترجم توجيهاته، وتمشي في مسيرة البناء والتعمير والتوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني الغاشم.
أبدى عبد الحميد الفارط تأييده المطلق لكل ما ورد في حديث إبراهيم الأفكح. وقال:
- هادا هوي الحكي اللي بيجيب نتيجة. بس يا ترى أشو خرج الواحد يقول في هالمناسبات الجماهيرية؟ بصراحة يا شباب، أنا ما عندي خبرة كافية بهيك خَيْلات، ولولا صديقي أبو علي البَرْمة اللي وقف جنبي بأول خطابة وصار يعلمني الحكي كنت تبهدلت قدام الناس!
إبراهيم الأفكح:
- لا تاكل هم يو خاي. لما بتكون فاضي منروح لعند أخوي عبد الكريم، ومنستعير من عنده منهاج التثقيف الحزبي، كمان عنده كتاب كبير فيه كل خطابات حافظ الأسد، منستعيرهن من عنده، وإذا بدك منلتقي أنا وأنت عندي في الدار، ومنحفظ العبارات والأقوال المأثورة سوا، أكيد بتلزم لك كتير بهالفترة.
أبو صفوان سنسن: وأنا عندي فكرة، يمكن تعجبكم.
عبد الحميد: تفضل.
أبو صفوان: متلما بتعرفوا شعبنا بيكره أميركا كراهية تحريمية، منشان هيك بتلاقيهم متعاطفين مع رئيس العراق صدام حسين لأنه دائماً بيتصدى للأطماع الإمبريالية الأميركية، وبيصمد في وجه مؤامراتهم، ومتلما بتعرف هوي حارب إيران منشان يمنع (المَدَد الصفواني)، لكن هالشي خلى العالم ينقلب ضده، فإذا إنت بتحكي كلمتين مناح بحق البطل أبو عدي..
استفهم عبد الحميد: عفواً، مين أبو عدي؟
أبو صفوان: هوي نفسه صدام حسين، وبيسموه كمان أسد السنّة... قصدي قول إنك إذا بتمدحه بكام كلمة بتكون ضربت تلات عصافير بحجر واحد، أول عصفور إنك بتنفي عن نفسك تهمة النفاق لحافظ الأسد بشكل غير مباشر، والتاني إنك بتبرز موقفك المعادي للإمبريالية وأميركا والصهيونية، والتالت إنك بتقدم نفسك قومي عروبي، وهاي الشغلات حتى المخابرات ما بينزعجوا منها.
أعجب عبد الحميد الفارط بكلام إبراهيم الأفكح وأبو صفوان سنسن أيما إعجاب، ورفع لهما إصبعيه الوسطى والسبابة بعلامة النصر. وفي اليوم نفسه زار، برفقة إبراهيم الأفكح، الرفيق عبد الكريم الأفكح، وأطلعاه على ما ينويان فعله بخصوص التثقيف، فضحك وقال لعبد الحميد:
- مع أني ملتزم بقائمة الحزب والجبهة، لكن كرمال هالزيارة الحلوة راح أحط لك صوت في الانتخابات، لأن أخوي إبراهيم حكى لي عنك وعن مواقفك الشجاعة. وبالنسبة لأقوال الرفيق المناضل حافظ الأسد أنا مستعد إقعد معك وإشرح لك ياها بالتفصيل، لأن هالشي من صميم عملنا كرفاق حزبيين. وإذا بدك كل يوم مستعد أحفظك قولين أو تلاتة، واشرح لك ياهن، وأخليك تدخل في العمق الفلسفي لفكر السيد الرئيس!
أبو أيوب: على خيرة الله.
وبلشوا بالدرس الأول، وكان هالشي من حسن حظ عبد الحميد، لأنه تاني يوم، وبالصدفة، كان مارق في ساحة الخضرة التحتانية، شاف حشود من الناس عم تتحرك، وصاروا يلتفوا حوله، وحاصروه جنب فرن معتوق وبلشوا يصيحوا:
بالروح بالدم نفديك أبو أيوب
بدنا كلمة أبو أيوب
وكان أبو أيوب متعلم من عبد الكريم الأفكح عبارات من حافظ الأسد، فوقف على دكة حجرية مزخرفة، وابتسم للجماهير ابتسامة الواثق، وبلش يحيي ويمجد، ويعدد شخصيات تاريخية عظيمة مثل خالد بن الوليد وطارق بن زياد وصلاح الدين لحتى وصل لعند صدام حسين، فقال إن الإمبريالية تآمرت على البطل أبو عدي، وحاولت تحاصره، لكن الجماهير الكادحة التفت حوله، وهذا ما يفسر قول القائد العربي حافظ الأسد: إني أرى في الرياضة حياة! وقوله:
تنبهوا واستفيقوا أيها العربُ
عند هذه النقطة شعر أبو أيوب بأن أحداً ما ينخزه في خاصرته، التفت وإذ بأبو علي البرمة يقول له:
نزعتها. هادا بيت الشعر مو لحافظ الأسد
فقال: قصدي، أيها الإخوة المواطنون، أن الرفيق المناضل حافظ الأسد يريد أن يتنبه الإخوة العرب إلى أخطار الصهيونية والرجعية..
ووقتها بدأ أبو علي البرمة بالتصفيق، وصفقت معه الجماهير، وهكذا ضاعت الطاسة، ومرت الأزمة علي خير.
(للقصة تتمة)