سيرة المرشح البرلماني الفارط (4)
في مطلع سهرة الإمتاع والمؤانسة اقترحتُ على الأصدقاء استكمال سرد حكايات مرشح مجلس الشعب السوري المجنون، عبد الحميد الفارط (أبو أيوب)، فرحبوا، بالطبع، وكالعادة.
أبو المراديس: متلما حكينا في المرة الماضية، واحد من أفراد شلة "أبو أيوب" اسمه أبو مازن السلموني، تبرع له بطقمين، الأول رسمي مستعمل وبحالة جيدة، وجيبه الفوقاني مزين بوردة قماشية لونها بني وبَتَلَاتْها سود، والتاني فيه حرق بالمكواية بين الساقين، لكن الحرق ما بيبين إلا إذا بَرَك أبو أيوب على كرسي خيزران وفرشخ رجليه بشكل متعمد، وهادا الشي ما راح يحصل، بالعكس، صار أبو أيوب وين ما قعد يضب رجليه على بعضهم حتى ما يظهر الحرق..
بعدين الشباب اختلفوا حول موضوع الكرافة. وأبو أيوب تدخل لحسم الجدال، وأعطى رأيُه بأنه صورة المرشح بالطقم الرسمي والكرافة أفضل بكتير من صورته بالألبسة الشعبية البازارية (المجَرْقَعَة)، اللباس الرسمي بيأثر بالناخبين كتير، لأنه أبو أيوب نفسه، لما كان عايش في الضيعة، وقت يجي مرشح لابس طقم وكرافة كان يحترمه، وبينه وبين نفسه يقرر إنه ينتخبه. ولما بيتفرج عَ التلفزيون وبيشوف زلمة عم يخطب ويصيح (أيها الإخوة المواطنون)، أول شي بيتطلّع بقَبّة قميصه، فإذا شاف الكرافة معقودة بشكل أنيق بيعطيه اهتمام زائد، وإذا بدون كرافة بيقول له: وقواسْ يفكّ لحامك. لسه بتصيح أيها الإخوة المواطنين؟ اتروك المواطنين بحالهم، وافرقنا بريحة طيبة.
أبو الجود: يا سيدي كلام أبو المراديس بخصوص عشق أبو أيوب للكرافة صحيح. أنا بعمري ما شفته ماشي بشوارع إدلب بدون كرافة.
أبو زاهر: بتعرف ليش؟ لأنه لبس الكرافة صار عنده من ضرورات المرحلة النضالية التاريخية، ومن الثوابت القومية لأمتنا المناضلة!
أبو إبراهيم البايملي سحب أبو علي البرمة من يده وهمس في إدنه: لا تفتح لنا سيرة "السيف"، طلعت روحنا حتى دبرنا له كرافة.. من وين بدنا نجيب له سيف لهالمجنون؟!
أبو المراديس: نعم. ولما أفراد الشلة توصلوا لقرار بأن مرشحهم أبو أيوب لازم يلبس كرافة وقعوا بمشكلة تانية بتتعلق بتأمين كرافة. طبعاً السوق مليان كرافات، لكن تمنها مو أقل من مية ليرة في هديكه الأيام، والأفضل يستعير كرافة من حدا.. لكن من مين بده يستعير؟ أعضاء الشلة أكترهم فلاحين وعمال مياومين وخضرجية وتنكجية وبياعين كسيب وحلاوة وإسكافية، وفي منهم عاطلين عن العمل بيمضوا أوقاتهم في البوازير والمقاهي وأسواق بيع الحَمام، مستحيل تلاقي عند حدا منهم كرافة. وكان بيناتهم واحد اسمه أبو علي البَرْمة بيحب لبس الكرافة، ومن زمان سافر ع حلب واشترى كرافة ولبسها وأجا فيها على إدلب، لكن من لما وصل ع البيت شلحها وخباها في الخزانة، حتى ما حدا يعيّره بأنه عم يتشبَّه بالأساتذة والرفاق أعضاء فرع الحزب والشعب الحزبية، وهلق إذا بيقول أبو علي لأبو أيوب (أنا عندي كرافة وراح أعيرك إياها) راح ينظر له أعضاء الشلة نظرة ازدراء!
أبو محمد: لو كنت أنا موجود بيناتهم كنت سحبت أبو أيوب من إيده على محلات "عدنان دخان"، واشتريت له خمس كرافات، وخلصنا من كل هالقصة.
أبو المراديس: لو كان الموضوع جدي كان ممكن حدا من أعضاء الشلة يشتري له كرافة، لكن هني عم يعقّدوا القصة لحتى يضحكوا ويتسلوا. المهم بهاي اللحظة التاريخية، المصيرية، صار مستقبل عبد الحميد الفارط السياسي على المحك.. وفجأة، متلما بيقولوا كتّاب الخواطر الأدبية، لاحت بارقة أمل في الأفق. ضرب أبو مراد إيده على جبينه وقال: تذكرت تذكرت! تعالوا معي. الحقوني.
وركض في شارع الصليبة، باتجاه الجنوب، وأفراد الشلة والمرشح أبو أيوب لحقوه، لحتى وصلوا لعند تقاطع هادا الشارع مع الشارع النازل من سوق الكندرجية ورايح مشرّق باتجاه كراجات البولمان، وهون بلشت السيارات تزمر، والسائقين يمدوا إيديهم من الشبابيك ويصرخوا، لأن هالعبور الفوضوي كان ممكن يتسبب بوقوع حادث، لا سمح الله، لكن ما حدا اهتم للزمامير، استمروا يركضوا لحتى وصلوا لعند فرن "أبو حسيب مَنّاع"، ومن بعد خمس أمتار على اليسار دخلوا تحت السيباط بهاي الحارة القديمة، وبعدما دخلوا عبروا عدة زواريب، لقوا باب دار أبو مراد مفتوح. قال لهم أبو مراد: استنوني هون.
ودخل بسرعة، وكانت والدته عم تشطف أرض الديار، فزحط، وكاد إنه يوقع من طوله، ولكنه توازن، وتابع باتجاه غرفة الضيوف، وبعد شوي دخلت أمه شافته عم ينزّل السجادة المدروجة المسنودة في الزاوية بين الحيطين. صاحت فيه: خير يا ابني؟ ليش نزلت السجادة؟
ما رد عليها. كانت السجادة مربوطة بكرافة عتيقة، مشدودة بشكل قوي، ولذلك لقى صعوبة بالغة بفكها، حتى إنه صار يعضها بأسنانه، ويفركها بأصابيعه، حتى، بالأخير، انفكت، فأخدها، وترك السجادة مفلوشة ع الأرض، وطلع.. ولما صار برة صاح بالمجموعة: الحقوني ع الكراج الغربي.
فلحقوه من دون ما يعرفوا أيش سبب الروحة ع الكاراج الغربي، وأبو علي البرمة همس في إدن مرشح الشعب: بخاف ما يكون أبو مراد بده ياخدنا على بيت جده في أرمناز.
فابتسم أبو أيوب وقال له: ما بيعملها، أبو مراد آدمي.
وتابعوا ركض لحد ما وصلوا عند صيدلية قصي أصفري، وجنبها دكان المكوجي خليل بزارة. وهناك صار مشهد ولا حتى بالسينما ممكن بيصير متله.
حنان: على فكرة يا أبو مرداس، المشَاهِد اللي عم تحكي لنا ياها كلها سينمائية. إنت عم تحكي وأنا عم إتخيلها قدامي.
أبو المراديس: المهم، خليل بزارة (أبو عمر) كان بهديك الأيام شيخ الشباب الزكرتية في إدلب، ولما عرف أيش القصة صار يكوي الكرافة بطريقة احتفالية، وكل شوي يرفع المكواية باتجاه وجه أبو أيوب ويكبس بإصبعته على زر رش الماء، ويغني: مرشحنا كوى كرافته، دوس..
فيصيح معه أفراد الشلة: دوس دوس وهيه.. صلوا على محمد واللي يعادينا الله عليه..
وطبعاً معظم أهالي الحارة تجمعوا قدام باب الدكان، وفي لحظة حماس رفع أبو علي البرمة إصبعه لفوق وصار يعدد ويقول:
الدار ما هي لنا
الدار للي بناها
بناها مرشحنا أبو أيوب الفارط
وبسيفه حماها
أبو إبراهيم البايملي سحب أبو علي البرمة من يده وهمس في إدنه: لا تفتح لنا سيرة "السيف"، طلعت روحنا حتى دبرنا له كرافة.. من وين بدنا نجيب له سيف لهالمجنون؟!
(للقصة تتمة)