سورية ما بعد الأسد.. واقع إقليمي ودولي جديد
تُعتبر سورية من الدول الاستراتيجية التي لها تأثير كبير على التوازنات في الشرق الأوسط والعالم، إذ تقع في مركز جغرافي حيوي، يربط بين الشرق الأوسط وآسيا الصغرى والبحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها في موقع تأثير سياسي وعسكري.. .
وبعد سقوط نظام بشار الأسد في السابع من ديسمبر 2024، تحوّلت التوازنات الإقليمية بشكل دراماتيكي، مما أثر على المنطقة بطرق متعدّدة.
الأحداث بعد سقوط نظام الأسد
خلال أيّام قليلة شهدت سورية سلسلة من الأحداث التي غيّرت مجرى التاريخ، إذ بدأت المعارضة السورية المسلّحة، بقيادة هيئة تحرير الشام، هجوماً شاملاً على العاصمة دمشق، ما أدّى إلى انهيار النظام بعد صموده لمدة 13 عاماً من الصراع. سقطت مدن رئيسية، مثل حلب وحماة وحمص، قبل أن تتوجّه المعارضة نحو دمشق، وتمكّنت من السيطرة عليها.
هذا الانتصار للمعارضة وضع نهايةً لحكم عائلة الأسد المجرم والمخلوع الذي استمرّ لأكثر من نصف قرن، وأعاد تشكيل موازين القوى داخل البلاد.
التأثيرات الداخلية
بعد سقوط الأسد، نشأت تحديات داخلية عدّة، منها تعقيدات تشكيل حكومة انتقالية تضم مختلف الفصائل السورية، بما في ذلك الأكراد الذين يسيطرون على مناطق شمال شرقي سورية، والمعارضة المسلّحة في الشمال الغربي.
وإنّ الشعب السوري الذي عانى من الحرب والتهجير يتطلّع إلى استقرار وعودة الحياة الطبيعية، ولكن الأمور لم تكن بهذه البساطة. تظلّ الهوية السياسية للدولة موضع خلاف، بالإضافة إلى الحاجة إلى إعادة بناء بنية تحتيّة مدمرة وتعافي من الأزمة الاقتصادية.
التأثيرات الإقليمية
أثّر سقوط الأسد بشكل كبير على التوازنات الإقليمية، إذ تعرّضت إيران لخسارة استراتيجية، على اعتبار أنّ سورية كانت جزءاً حيويّاً من "الهلال الشيعي" الذي يربط طهران بلبنان عبر سورية. وهذا الانهيار جعل إيران تفقد بعضاً من نفوذها في المنطقة، مما أثر على حزب الله في لبنان الذي يعتمد على الدعم إيراني.
يطرح سقوط الأسد تساؤلات حول مدى الالتزام الأميركي في المنطقة، وما إذا كانت واشنطن ستعيد تقييم دورها في سورية والشرق الأوسط بشكل عام
وهناك أيضاً مسألة تغيّر معادلة القوى مع روسيا. فبعد أن كانت روسيا قوّة مؤثّرة في سورية من خلال دعمها النظام، فإنّ سقوط الأسد يشكّل نكسة جيوسياسية لموسكو، خاصة أنّ الحرب في أوكرانيا تستقطب كلّ اهتمامها ومواردها العسكرية، وهذا الأمر أضعف نفوذ روسيا في الشرق الأوسط، وقد يؤدي إلى تراجع في دورها الاستراتيجي في المنطقة.
كذلك، مثّل سقوط النظام فرصةً لإسرائيل لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية لمنع تحالف إيراني - سوري محتمل في المستقبل، لكنه أيضاً يضعها في وضع يدفعها للتعامل مع جماعة جديدة قد لا تكون بنفس درجة التحكّم السابقة التي كانت تمتلكها مع نظام الأسد.
التأثيرات الدولية
على المستوى الدولي، يطرح سقوط الأسد تساؤلات حول مدى الالتزام الأميركي في المنطقة، وما إذا كانت واشنطن ستعيد تقييم دورها في سورية والشرق الأوسط بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، تصبح مسألة اللاجئين السوريين أكثر تعقيداً، إذ لا يُمكن للدول المستضيفة إعادة اللاجئين إلى وطن غير مستقر.
باختصار، سقوط نظام الأسد ليس مجرّد حدث محلي؛ بل هو محطة تاريخية تغيّرت بسببها موازين القوى في الشرق الأوسط وأثرت على السياسة العالمية، ليواجه الشعب السوري الآن تحديات كبيرة في بناء مستقبل جديد، فيما تنتظر المنطقة والعالم ما سيأتي من تطورات وكيف ستتأثر الأمن القومي والسياسات الخارجية لدول عدة بالتغييرات الحالية.